القاهرة | التقت كل من مصر والجزائر في تجربة مواجهة جماعات الإسلام السياسي، وتقاطعت مواقف الطرفين في بعض حيثيات المواجهة. وعندما انتهى حكم جماعة الإخوان المسلمين في مصر رُسمت سيناريوات تقارب بين العاصمتين، بدت أقرب إلى التحالف خصوصاً عقب الزيارة التي قام بها عبد الفتاح السيسي للجزائر في 25 حزيران الماضي عقب انتخابه رئيساً لمصر.وإن هدفت الزيارة، أساساً، إلى بحث مسألة توريد الغاز الجزائري لمصر، إلا أن الأمر الذي سلط الضوء عليه أكثر من غيره تمثل في الحديث عن بداية تشكيل محور مصري ــ جزائري لمكافحة الإرهاب، خاصة في ليبيا، الجار المشترك.

وشكلت زيارة الرئيس المصري للجزائر كسراً لكل التقاليد الديبلوماسية، على اعتبار أنّ الزيارة الخارجية الأولى لأي رئيس دولة عادة ما تكون وجهتها العاصمة التي ترتبط وبلاده بعلاقات استراتيجية متينة، الأمر الذي لا ينطبق على الجزائر (الأزمة الكبيرة مع القاهرة عام 2009 عقب مبارة لكرة القدم مثال). وحينها، تساءلت وسائل إعلام عربية كثيرة عمّا إذا كانت الزيارة استراتيجية أو زيارة مصلحة.
لم تؤدّ زيارة السيسي إلى تطوير العلاقات لدرجة تجعلها توصف بالاستراتيجية، ولم يصل الغاز الجزائري المسال إلى مصر، بعد. كذلك، لم يتقدم محور مكافحة الإرهاب، عملياً، خطوة واحدة. وبدل أن تكون ليبيا بوابة هذا المحور ومدخل تشكُّله، بدت ليبيا محطة توتر واختلاف، ولا سيما بعد التدخل المصري العسكري هناك وما قابله من رفض جزائري. ثم اتسعت مساحات التوتر في عدة ملفات، أبرزها الموقف من "عاصفة الحزم"، فضلاً عن الموقف من "الإخوان المسلمين" ومن ملف الأمانة العامة لجامعة الدول العربية. كذلك بدت مقاربة الجزائر للملف الليبي ــ تغليب الحل السياسي عبر استضافة الحوار الليبي ــ كأنها سحب بساط من تحت القاهرة التي ترى ذلك الملف حكراً عليها.
استمر الشد والجذب بين البلدين مستتراً، فمصر تنتظر وصول الغاز الجزائري نهاية الشهر الحالي، وبالتالي لم تشأ أن تظهر الخلافات ضمن الحيز العلني. لكن الإعلام لم يُبق التوتر مستتراً. وبدأت مساحات التراشق تتسع وتتزايد بنحو ملحوظ بين الأذرع الإعلامية في البلدين، الأمر الذي قال عنه مراقبون إنه قد يفضي إلى ما لا تحمد عقباه.
بدا التوتر والتباين أكثر وضوحاً خلال القمة العربية الأخيرة المنعقدة في شرم الشيخ عندما وقفت الجزائر ــ إضافة إلى العراق ولبنان ــ ضد التدخل العسكري في اليمن، وأيضاً حين تحفظت الجزائر على موضوع تشكيل القوة العربية المشتركة التي طالبت بها مصر. وخصّ وزير الخارجية الجزائري، رمطان لعمامرة، صحيفة "الخبر" بلقاء حصري تحدث فيه عن موقف بلاده من القوة المشتركة ورفضه للتدخل وللحلول العسكرية في ليبيا واليمن.
صحيفة "الشروق" المصرية التقطت خيوط التوتر الحاصل بين الدولتين، ووصفته بـ"التوتر المكتوم". كتبت الصحيفة في الحادي عشر من هذا الشهر تحت عنوان "الإسلام السياسي وأمانة الجامعة العربية وإيران: 3 ملفات تهدد علاقات القاهرة والعواصم المغاربية"، ونقلت عن ديبلوماسيين مصريين حديثهم عن وجود توتر بين مصر وكل دول المغرب العربي وفي مقدمتها الجزائر، وذلك بسبب ثلاثة ملفات هي "الإخوان المسلمون وأتباعهم" وأمانة الجامعة العربية وإيران.

بدأت مساحات التراشق تتسع وتتزايد بنحو ملحوظ بين الأذرع الإعلامية في البلدين
كذلك، نقلت الصحيفة عن ديبلوماسي جزائري قوله إن بلاده وقفت إلى جوار مصر "من دون تردد بعد إطاحة محمد مرسي... وإنها سعت إلى إعادة مصر إلى الاتحاد الأفريقي ودعمت الاعتراف الدولي بالسلطات الانتقالية في مصر، ودعمت وصول الرئيس السيسي إلى الحكم بوصفه الخيار الشعبي المصري"، فيما لم ينف المصدر وجود توتر حاصل بين البلدين في عدة ملفات، أبرزها ليبيا واليمن و"الإخوان".
جريدة "الدستور" المصرية أفردت، هي أيضاً، مساحة للخلاف بين البلدين، وكتبت تحت عنوان "مصر والجزائر توتر غير معلن"، مستطلعة وجهات نظر محللين وأساتذة علوم سياسية مصريين، أجمعوا على وجود توتر بين البلدين، خاصة في الملفين الليبي واليمني. ولم يستبعد ضيوف "الدستور" تطور التوتر واتساع مساحاته في حال عدم التوافق على حلول مشتركة.
وكان موقع "دوت مصر" قد خص، هو الآخر، العلاقات الجزائرية ــ المصرية بتقرير، وكتب تحت عنوان "لماذا تخالف الجزائر الإجماع العربي؟". استطلع تقرير الموقع وجهات نظر لمحللين جزائريين، اعتبروا أن موقف دولتهم محكوم بالدستور الذي يمنع الجيش من التدخل في أي مناطق خارج الجزائر. وفسّر البعض الموقف الجزائري من اليمن بأن ديبلوماسيتها لا تريد خسارة علاقاتها الوثيقة بإيران، ولا سيما أن الجزائر لا ترى أي خطر أو تهديد عليها من إيران أو من الحوثيين.
الصحافة الجزائرية هي الأخرى أفردت مساحة للمحور نفسه، وإن تميز طرحها بالجرأة. ففيما اكتفت الصحافة المصرية باستطلاع وجهات نظر مهتمين ومحللين، قدمت الصحافة الجزائرية وجهات نظر لكتاب رأي.
في جريدة "الخبر" الأكثر انتشاراً بالجزائر، كتب سعيد بوعقبة في السابع من هذا الشهر مقالا بعنوان "يا سعودية... الجزائر ليست مصر!"، وقال إنّ "السعودية تجاوزت حدودها في التعامل غير اللائق مع محيطها العربي... فخلقت لنفسها مشكلة مع إيران وأخرى مع العراق وثالثة مع سوريا ورابعة مع قطر... وخامسة مع اليمن... وهي اليوم تريد خلق مشكلة مع الجزائر... لأن الجزائر رفضت أن تشارك في القوة العربية تحت عنوان الدفاع المشترك لضرب اليمن باسم الجامعة العربية المقبورة... هذه الجامعة التي أصبحت كالمومس تعلن حبها لمن يدفع أكثر من البلطجية السياسية والعسكرية في المنطقة". وأضاف بوعقبة في مقاله أنّ "الجزائر ليست مصر، ولن تكون مثل مصر في بيع أو كراء جيشها لآل سعود، ليحرّروا به الكويت تارة، ويقصفوا به اليمن تارة أخرى!".
وفي مقال ثان ــ نشر بعد أسبوع من المقال السالف ــ كتب بوعقبة منتقداً الكاتب المصري محمد حسنين هيكل الذي وصف شمال أفريقيا بأنه جناح من أجنحة النسر المصري. ردّ بوعقبة في مقاله المعنون "النسر المصري والشامبيط الجزائري"، قائلاً إنّ "دور الجناح الذي أسنده إلينا هيكل، مشكوراً، في جسم النسر المصري، يتماشى مع دورنا الجديد في المنطقة العربية... فالنسر المصري يهجم على فخضه في اليمن بمساعدة جناحه في السعودية، وسكوت أو تواطؤ جناحه في شمال أفريقيا ومنها الجزائر".
وكان مصدر ديبلوماسي جزائري قد صرح لصحيفة "الخبر" الجزائرية بأنها "ليست المرة الأولى التي تتحدث فيها القاهرة بصراحة عن فتور في العلاقات مع الجزائر، بل كل المسؤولين المصريين يعربون عن قلقهم من استمرار التعامل، أو السماح به، مع شخصيات إخوانية، حتى وإن كانوا غير مصريين، على شاكلة إخوان ليبيا الذين تستقبلهم الجزائر في إطار وساطتها لحل الأزمة الليبية، وقادة حركة النهضة التونسية، وكان جواب المسؤولين الجزائريين لنظرائهم المصريين (بالقول) إن ناشطي الإسلام السياسي الجزائري ينشطون في الساحة طبقاً للقوانين، وكانوا من المدافعين الأوائل عن الدولة أثناء الأزمة الأمنية في التسعينيات".
دعم مصر لخليفة حفتر الذي يقود حرباً ضد التيار الإسلامي في ليبيا، مصدر آخر للتوتر بين البلدين. ففي وقت ترى فيه مصر ضرورة الحسم العسكري، ترجّح الجزائر مقاربة سلمية تلمّ شمل الأطراف في ليبيا، بمن فيهم الإسلاميون ــ وقد أفلحت الجزائر بعد عشرية سوداء في استيعاب المكونات الإسلامية، وتحديدا "الجبهة الإسلامية للإنقاذ"، وهو ما تريد استنساخه في ليبيا وترفضه مصر.
وترى مصادر أخرى أن تأخر الجزائر في تسليم شحنات الغاز لمصر قد يكون مصدراً آخر للتوتر، كما مسألة منصب الأمين العام لجامعة الدول العربية، إذ تريد الجزائر تحديد عدد عهدات الأمين العام باثنتين فقط خاصة.
مصادر مصرية تقول إن "التوتر قد لا يتطور لأزمة بعد تسريبات تتحدث عن وساطة خليجية تشمل الكويت والإمارات والسعودية لتهدئة التوتر الحاصل بين مصر والجزائر". وعلى غرابة "وساطة" كهذه، يبقى السؤال: هل تفلح هذه الجهود أم أن دخول الإعلام على خطوط العلاقة ومحدداتها قد يفضي إلى أزمة بين العاصمتين؟ خاصة أن البعض يقرأ أن ما يصدر عن الإعلام في البلدين هو رسائل، في وقت حرصت فيه هذه الوسائل الإعلامية، أيضاً، على ترويج النفي الجزائري لوجود خلاف مع السعودية، بينما لم تفعل الأمر نفسه في ما يتعلق بمصر، ما يعني أن الأمور تتدحرج صوب التصعيد. سؤال آخر، الأهم ربما: ما هو مستقبل العلاقة بين مصر والجزائر إذا ما تقاطع الموقف السعودي والجزائري على ضرورة إحداث مصالحة مع جماعة الإخوان المسلمين على غرار ما حدث في الجزائر مطلع الألفية الثانية؟