الشركات تخدع الزبائن بمنتجات معقّدة ذات مخاطر مرتفعةمحمد وهبة
تبيع شركات التأمين بوالص تأمين على الحياة تشمل برنامجاً استثمارياً يحقق للمؤمِّن مبلغاً من المال على المديَين المتوسط والطويل، وقد اجتذبت هذه البرامج الزبائن الذين اكتشفوا السيّئ فالأسوأ لاحقاً بعدما «أكلوا الضرب» والتزموا مع الشركات بالدفعات لسنوات طويلة، إذ تبيّن أن العقود ليس فيها ما يحمي حقوق المؤمّن، كما أن الشركات تركّز على شرح بنود تجذب المستهلك من دون شرح المخاطر. فهل هذه البرامج نعمة تحقّق الرفاه المنتظر أم بدعة هدفها «تشليح» الزبائن أموالهم، وإجبارهم على خيار الالتزام مع شركة التأمين على المدى الطويل أو خسارة أموالهم؟
أبرز مثال على هذا النوع من المنتجات، بحسب رواية عاملين في شركات التأمين، هو ما حصل أخيراً مع أحد الزملاء الإعلاميين المعروفين، الذي كان قد اشترى من إحدى الشركات المعروفة بوليصة تأمين على الحياة تتضمن برنامجاً استثمارياً. إذ تبين له بعد سنوات أن الشركة لم تلتزم شروط العقد الموقّع بين الطرفين، وحاولت تعديل بعض البنود المتعلقة بالانسحاب من البرنامج فرفض، ولا سيما أن استثمارات هذا البرنامج كانت في منتجات مالية مركّبة مخاطرها مرتفعة منذ انفجار الأزمة المالية العالمية.
ينطبق هذا الأمر على أكثر من حالة رصدتها «الأخبار» مع عدد من شركات التأمين، فالمشكلة الرئيسية في البوالص المتصلة ببرامج استثمارية هي في الانسحاب منها وكيفية احتساب حقوق المؤمِّن، وخصوصاً أن الزبون لا يحصل على شرحٍ وافٍ ودقيق عن البوليصة وحقوقه وواجباته تجاهها، فما هي هذه البوليصة؟
هي منتج تأميني مركّب يدمج بين التأمين على الحياة (وفاة طبيعية أو بحادث، عجز بنسبة معينة، يمكن أن يضاف إليها الموت بسبب الإرهاب والحروب...)، وحسابات الادّخار المختلفة على المديين المتوسط أو الطويل ما يوفّر مبلغاً تقاعدياً، وكلفتها تُحتسب على أساس المبلغ الشهري الذي بإمكان الزبون تسديده، فكلما ارتفعت هذه القيمة، ارتفعت قيمة الادخار السنوي.
في المبدأ يحصل المستفيد من البوليصة على خيار واحد: إذا لم تُستعمل الأموال من الحساب الأول، أي لم تحصل الوفاة أو العجز، يمكن المؤمِّن استعادة قيمة أقساط البوليصة الموضوعة في حساب الادّخار على سنوات محدّدة مضافةً إليها الأرباح المحققة من استثمار هذه الأموال في برامج استثمارية.
ويقول وسطاء تأمين، إن بعض الشركات يغطي حداً أدنى من الفائدة المضمونة على الاستثمارات (4.5 في المئة اليوم) وبعضها يقول للزبون إن هناك فائدة على الاستثمارات من دون أن تُذكر في العقد، وهناك شركات تذكر الأمر في سياق «تطمين» الزبون، فتؤكد أنها ستقوم باستثمارات مضمونة لأن كل أموالها فيها، وتركّز على الحجم النهائي الذي سيحصل عليه الزبون بعد عدد معيّن من السنوات.
وبالتالي، فإن نوعية هذه الاستثمارات وطبيعتها ومخاطرها ستنعكس على المبلغ النهائي الذي سيحصل عليه المؤمِّن. ويشير مدير في شركة تأمين إلى وجود خيارات استثمارية عدّة أمام شركات التأمين: إيداع الأموال في المصارف الخاصة والحصول على عائد ثابت، وهي بدورها تستثمرها على مسؤوليتها وتتحمّل مخاطرها. الخيار الثاني يتضمن استثمار هذه الأموال في صناديق استثمار يكون لديها محافظ متنوعة من الأسهم. الخيار الثالث يشمل الاستثمار في سندات خزينة محلية أو خارجية. وهناك خيار الجمع بين بعض هذه الخيارات أو جميعها بنسب محددة لكل عنصر منها تخفيفاً للمخاطر.
لكنّ مصدراً مصرفياًَ يقول إن غالبية الشركات تشتري محافظ استثمارية من صناديق الاستثمار (محافظ تشمل الخيار الرابع)، ولا سيما أن هذه الشركات تملكها مصارف تجارية تستثمر هذه الأموال، وبالتالي تربح نسبة معيّنة تصل إلى 2 في المئة من مجمل قيمة الأموال التي جمعتها من بيع بوالص التأمين، وتقدم إلى المستهلك ربحاً أعلى مما سيحصل عليه بالادخار العادي بنحو 1 في المئة، ولكن بمخاطر أعلى أيضاً.
فهذه الطريقة توفّر على الشركات نصف المبالغ التي تدفعها إلى معيدي التأمين، وتوفّر للزبون برنامج ادخار طويل المدى، إلا أنها تُدخله في دوامة المنتجات والأوراق المالية ولعبة الأسواق المالية ومخاطرها، فالواقع يشير إلى أن تراجع أسعار الفائدة العالمية إلى مستويات متدنية أدخل شركة «AIG» في خسائر كبيرة بسبب ارتباطها ببوالص مركّبة (تأمين على الحياة واستثمار) مرتفعة الفائدة، فانعكس هذا الأمر على الشركات المتصلة بها في لبنان، ولاحقاً تبيّن أن غالبية شركات التأمين في لبنان، التي تبيع هذه البوليصة كانت قد خسرت في أسواق المال العالمية جزءاً من مدّخرات المؤمّنين.
وهناك مخاطر من نوع ثانٍِ، فالشركة تستفيض في شرح «مزايا» بوليصة التأمين وحسناتها وعائداتها مهما تكن طبيعتها، لإقناع الزبائن بشرائها، وغالباً ما يكون التركيز في الشرح عن قصد أو غير قصد، على جزء محدّد من التفاصيل في ظل التركيز على نتائج مزعومة، فيما الزبون لا يكون مطلعاً على هذه المنتجات، ولا يقرأ العقد، وإذا فعل لا يفهم منه شيئاً بسبب كونه «معقّداً» ومنصوصاً بطريقة غير مفهومة، وبالتالي يوقّع «على الثقة»، فيتعرّض لعملية «تشليح». وعندما يعتزم الانسحاب من البرنامج لسبب ما، يكتشف أنه ستُقتطع نسبة كبيرة من مدخراته قد تصل إلى 40 في المئة في ما يعرف بأنه «ضربة جزاء»، وفي بعض الحالات التي لا يذكر العقد فيها صراحة هذه التفاصيل لا يحصل المؤمّن على شيء!
وتروي زميلة أنها اشترت هذه البوليصة بهدف المشاركة في برنامج التقاعد، إلا أنها قرّرت الانسحاب بعد سنتين لأسباب مادية، ولكن الشركة قررت إعطاءها ما نسبته 4 في المئة من مجموع المدخرات فقط. لكن الشركات، يقول مدير في شركة تأمين تعليقاً على هذه الواقعة، إن الشركات تعتمد على هذه العقود غير الواضحة لتقنع الزبون شفهياً بجدوى البوليصة والاستثمار، ولا تعدم في ذلك وسيلة، فيما دور وزارة الاقتصاد ولجنة مراقبة هيئات الضمان يقتصر على التوسط لدى الشركات لحل مشكلة ناتجة من العقد.


290.7 مليون دولار

هي قيمة أقساط التأمين على الحياة لدى 34 شركة عاملة في لبنان في نهاية عام 2008، بزيادة قيمتها 12.380 مليوناً ونسبتها 4.4 في المئة عن أقساط عام 2007، وهذه النسبة تمثّل 33% من مجمل أقساط التأمين.


أنواع التأمين على الحياة