القاهرة | مثلما كانت ثورة «25 يناير» نقطة تحول في علاقة السلفيين بالسياسة، بعد تأسيسهم حزب النور كأول حزب سياسي «سلفي» خلافاً لما اعتمدته سابقاً فتاوى الدعوة السلفية التي كانت ترفض المشاركة في الانتخابات التشريعية والحياة السياسية عموماً وفق قاعدة «من السياسة ترك السياسة»، ستكون نتائج الحزب في الانتخابات النيابية 2015 نقطة تحول محددة لمصير الحزب في الحياة السياسية.
الحزب الذي راهن منذ وقوفه مع خريطة الطريق المعلنة في 3 يوليو 2013 عقب عزل الرئيس الأسبق محمد مرسي، راهن على خلافة الإخوان في الحياة السياسية وعند التيار الإسلامي عموماً، لم يحقق ما كان يصبو إليه من تأييده لخريطة الطريق، بل انفض أتباعه عنه، ولم يحقق نتيجة تتوافق مع طموحه حتى في عقر داره قائمة غرب الدلتا، ومحافظات البحيرة ومطروح والإسكندرية التي هي معاقل تقليدية للتيار الإسلامي عموماً وللسلفيين خصوصاً.
راهن الحزب على أن انحيازاته ووقوفه بجانب النظام سيضمنان له مكاناً في الخريطة السياسية عقب انتخابات البرلمان وفق تفاهمات واتفاقات جرت مع السلطة بحصوله على نسبة 10% من المقاعد في البرلمان المقبل، إلا أن النتائج التي حققها الحزب تشير إلى تعرضه لضربة كبيرة في معاقلة، وهي ضربة مبررة ومتفهمة، فالإسلاميون لم يصوتوا للنورعقاباً له على مواقفه المخالفة لعموم الإسلاميين وتيارهم العريض، والشباب بجملته قاطع الانتخابات بالكامل، والشريحة المجتمعية التي شاركت وصوتت في الانتخابات محسوبة بالأساس على جهاز الدولة، وهؤلاء أصواتهم تخضع للتفاهمات والتحالفات العائلية والقبلية والخدمات الشخصية المقدمة من المرشحين لهم، وهو ما يعني أنهم لن يصوتوا للحزب.
نظرياً لم يخسر الحزب كثيراً، فلديه في جولة الإعادة 23 مرشحاً، بعضهم يخوض الجولة في المعاقل التقليدية للحزب؛ ففي بعض المحافظات كالبحيرة جنوب الإسكندرية، ينافس الحزب على 11 مقعداً في الإعادة، بينما تنافس كل الاحزاب الأخرى على 19 مرشحاً، لكن عملياً انكشف الحزب، الذي راهن على خلافة "الإخوان".

راهن الحزب على أن وقوفه بجانب النظام سيضمنان له مكاناً في الخريطة السياسية

انتفاضة قيادات الحزب الإعلامية والتهديد بالانسحاب من الحياة السياسية والتعريض بالنظام في وسائل الإعلام لم يكن أكثر من مسكنات قدمها الحزب والدعوة السلفية للجمهور التنظيمي، فلا الرغبة في الانسحاب موجودة لدى قيادات الحزب والدعوة، ولا الحزب قادر على تحمل تبعات قرار يحرج النظام بهذا الشكل وفي هذا التوقيت. فبحسب مصادر في الحزب، جاء اجتماع الهيئة العليا الذي ناقش الانسحاب من الجولة الثانية للانتخابات لامتصاص غضب الشباب، والانسحاب فعلياً لم يكن وارداً بأي شكل من الأشكال.
الدولة من جانبها طمأنت الدعوة السلفية إلى أن الاتفاقات التي تمت ما زالت قيد التنفيذ، وأنها فقط لجأت لتوفير الظهير السياسي لها، قائمة «قائمة حب مصر» التي ترعاها الدولة وتدعمها، تحسباً لأي طارئ قد يطرأ في الجولة الثانية من الانتخابات، في رسالة معناها أن الدولة تعلمت من انتخابات 2005.
تدرك قيادات الدعوة السلفية جيداً أن مشاركتها في مشهد عزل الرئيس محمد مرسي هو الذي حمى رؤوسهم «حتى الآن» من مقاصل النظام، كذلك هم يدركون أنهم لو تراجعوا ودخلوا في مواجهة مع الدولة فإنهم سيدخلونها منفردين، فلا الإسلاميون سينحازون إليهم، ولا غير الإسلاميين سيدافعون عنهم، فهم في نظر الاولين خانوا الإسلاميين وغدروا بهم، وفي نظر الآخرين وهابيون تكفيريون.
حتى الآن لم تظهر تفاعلات نتيجة الانتخابات وتأثيراتها داخل الحزب، إلا أن الأمور مرشحة للتفاعل والتصاعد خلال الأيام المقبلة، ففي قنا بصعيد مصر قص المرشح محمود معتوق الذي ينتمي إلى إحدى العائلات الكبرى بقنا، المرشح على قوائم الحزب شريط الاستقالات بإعلانه الاستقالة من الحزب وأسفه واعتذاره لعائلته على لترشح على قوائم الحزب، ليكشف عن عمق الازمة التي واجهت النور، فلا قواعده كافية وحدها لإنجاح مرشح، ولا العائلات صوتت لأبنائها المرشحين على قوائم الحزب خلافاً لما هو معروف عن الصعيد من حضور وقوة التربيطات والتحالفات العشائرية والقبلية.
نتائج النور، لاقت شماتة واسعة من أطياف الإسلاميين وغيرهم من أقصى اليمين لأقصى اليسار، وهي شماتة معلنة وغير مستترة، والتعليقات على نتائج النور توضح مدى الفجوة الكبيرة بين الحزب من جهة والإسلاميين من جهة والتيارات السياسية الأخرى من جهة ثانية. لم يجمع عاصم عبد الماجد القيادي في الجماعة الإسلامية الذي توعد خصوم مرسي بقطع «الرؤوس التي أينعت»، ومظهر شاهين خطيب عمر مكرم وأحد الأصوات الدعائية للنظام حالياً، إلا الشماتة في حزب النور؛ فعبد الماجد تحدث عن «مدرسة الخيانة التي احترقت» قاصداً بها حزب النور، ومكرم قال إن الشعب «قطع النور».
وكالعادة، «الإخوان» جاهزون لحمل أي إخفاق لأي أحد في مصر؛ فياسر برهامي، نائب رئيس الدعوة السلفية والرجل القوي فيها، أعلن تأثر السلفيين بدعايات الإعلام «الإخواني»، حتى أن أبناء برهامي أنفسهم قاطعوا الانتخابات، هذا المبرر الواهي لم يلق قبولاً لدى أنصار النور، فلا الإخوان يملكون إعلاماً له تأثير، ولا السلفيون يشاهدون الإعلام الإخواني.
من غير المتوقع استقرار الأمور والاوضاع داخل حزب النور قريباً، بل على العكس، تتجه الأمور لكثير من التصعيد، نتيجة واقعهم المأزوم داخلياً، أو مع جميع التيارات المحيطة بهم.