فجأة، وخلال يومين أو ثلاثة، صار على الرأي العام العربي أن يصدّق أن هناك مشكلة كبيرة بين الولايات المتحدة وإسرائيل. وظن كثيرون، عن وهم أو عن غباء، أن هناك مشكلة فعلية بين الإدارتين، وأن هذه كوة على العرب النفاذ منها كي يحققوا مصالحهم بطريقة أفضل، تماماً كما ترجم الأمر عندنا فؤاد السنيورة، الذي رأى أن التصعيد الإسرائيلي إنما يهدف إلى الهروب من السلام، وأن الإقدام على خطوات استفزازية يهدف إلى دفع الجانب العربي لعدم التوجه إلى المفاوضات. ومن ثم يستنتج رئيس أكبر كتلة نيابية عندنا: علينا أن نذهب إلى المفاوضات، حتى لا نُحمَّل نحن مسؤولية تعثّر عملية السلام.
في داخل فلسطين، ليس هناك من مستوى أعلى للخيبة والإحباط عند الناس هناك. أصلاً ليس لديهم بالشكل أو بالمضمون ما يدفعهم إلى الأمل بأي نتيجة في وقت قريب. فلا هم يعيشون وهم السلام، ولا هم يثقون بأحد: لا إسرائيل ولا أميركا ولا أوروبا ولا السلطة الفلسشطينية. ولا يجدون أمامهم سبيلاً سوى رفع الصوت من تلقاء أنفسهم. لكنهم يواجهون الأمرّين في قول «لا» قوية. في القدس تبدو المواجهات حامية، لأن إسرائيل ليس لديها من يساعدها من أهل الدار، بينما في بقية مدن الضفة الغربية وقراها، نجد التحركات أضيق، لأن أجهزة سلطة محمود عباس نفسه، تقوم بالواجب، وتتولى هي من تلقاء نفسها قمع أي محاولة للتحرك الاحتجاجي بوجه الاحتلال، حتى لو كان عنوانه التضامن مع أهلهم في المدينة المحتلة.
ليس متوقّعاً من القمّة العربيّة أن تعود عن قرار دعم مفاوضات الأشهر الأربعة
لكن، هل هناك إمكانية فعلية الآن لاندلاع انتفاضة ثالثة؟
ليس هناك من داع للبحث عن أسباب أو حوافز تدفع الشعب الفلسطيني إلى خطوة من هذا النوع، وليس هناك من داع لاكتشاف الأرضية الخصبة لتحرك بهذا الحجم، وربما أكبر. لكن، هناك حاجة فعلية للتدقيق في الإمكانات المتاحة الآن، بين يدي القوى الرافضة للاحتلال، والباحثة عن طريق آخر لتحصيل الحق غير عبث المفاوضات. وهذا ما يدفع إلى الاعتقاد بأن ثمة حاجة للعمل بطريقة مختلفة، من دون الدخول مسبقاً في نقاش عقيم يتعلق بشكل النضال وأدواته، لأن التجربة تقول أمراً واحداً: الدم وحده يخيف إسرائيل.