البشير يسعى إلى توسيع المشاركة... والمعارضة تلوّح بالتحرّك في الشارع جمانة فرحات
مع إقفال صناديق الاقتراع في السودان، واقتراب عملية فرز الأصوات من نهايتها، يدخل السودان مرحلة جديدة تحتل فيها مجموعة من العناوين الأولوية، في مقدّمها مدى الاعتراف الدولي والمحلي بالنتائج، إضافةً إلى بدء العد العكسي للإعداد للاستفتاء على تقرير مصير الجنوب.
وفيما بدأت النتائج تظهر، مؤكدةً فوز حزب المؤتمر الوطني الحاكم بفروق شاسعة عن المنافسين، والتي أظهرت حتى الآن فوز البشير بنسب تتراوح بين 70 و92 في المئة من الأصوات، خرج بعض المسؤولين السودانيين للحديث عن رغبة في تأليف حكومة تضم مختلف الأحزاب السودانية.
وبينما أكد مستشار الرئيس السوداني، غازي صلاح الدين، أن الحزب الحاكم سيوجه الدعوة إلى كل الأحزاب، حتى تلك التي لم تشارك في الانتخابات، «لأننا نؤمن بأننا نمرّ في مرحلة حرجة في تاريخنا»، رهن مساعد البشير، نافع علي نافع، مشاركة الأحزاب المعارضة بجملة من الشروط، واتهمها بأنها تحوك مؤامرة لإحداث بلبلة في البلاد.
ويتخطّى تضارب التصريحات بين صلاح الدين ونافع مجرد تبادل الأدوار، ليعكس خلافاً في وجهات النظر بشأن كيفية إدارة البلاد خلال المرحلة المقبلة، وخصوصاً أن دعوة صلاح الدين تعكس وجهة نظر المعتدلين في صفوف الحزب الحاكم وتحمل في طيّاتها العديد من الأهداف.
فمن جهة، يسعى الحزب الحاكم إلى إضفاء أكبر قدر ممكن من المشاركة في الحكومة لإكسابها شرعية لم تستطع الانتخابات أن تحققها بالكامل، وخصوصاً بعد حملة المقاطعة وأخطاء عملية الاقتراع، التي لم ترتق إلى المعايير الدولية، بحسب المراقبين الدوليين.
كذلك أضرّت هذه الخروق برغبة الرئيس السوداني في تحقيق دفعة سياسية ومعنوية لشخصه في مواجهة مذكرة الاعتقال الصادرة بحقه عن المحكمة الجنائية الدولية، ودفعت مستشاريه إلى السعي لتحصين موقعه عبر محاولة الحصول على اعتراف القوى السياسية السودانية ودعمها.
من جهة ثانية، ينادي بعض مسؤولي الحزب الحاكم بضرورة مشاركة مختلف الأحزاب الشمالية في الحكومة، لأنهم لا يريدون أن يتحمّل حزب البشير منفرداً وزر النتائج التي ستترتّب على استفتاء الجنوب واحتمال انقسام البلاد.
إلا أن هذه المساعي تصطدم بعقبات، مع بدء الأحزاب المعارضة التي اختارت المشاركة في الانتخابات رفع صوتها احتجاجاً على النتائج، وفي مقدّمهم مرشح الحزب الاتحادي الديموقراطي للرئاسة، حاتم السر، الذي رأى أن النتائج الأوّلية لم تعكس التمثيل الحقيقي لأهل السودان. كذلك أعلن زعيم حزب المؤتمر الشعبي، حسن الترابي، انسحاب حزبه من أي مشاركة في البرلمان أو مجالس الولايات، حتى وإن تمكّن مرشحوه من الفوز. وكان لافتاً خروج الترابي للحديث للمرة الأولى عن تزوير، بعدما كان يتحدث عن أخطاء انتخابية، محذراً من اتخاذ حزبه، إلى جانب القوى السياسية الأخرى، موقفاً أشد واعتماد منهج جديد في التعاطي.
منهج سبق أن أوضح القيادي في الحركة الشعبية لتحرير السودان، ياسر عرمان، بعض من معالمه، عندما أشار إلى احتمال تنظيم تظاهرات سلمية احتجاجاً على النتائج، على الرغم من توجّه حركته، التي ضربتها الانقسامات على خلفية الانتخابات، للمشاركة مبدئياً في الحكومة.
أما حزب الأمة، فكان واضحاً منذ البداية في إبداء استعداده للتعاون مع القوى التي ستفرزها العملية الانتخابية، على الرغم من رفضه الاشتراك في الانتخابات ومطالبة زعيمه الصادق المهدي بإجراء انتخابات جديدة بعد الانتهاء من الاستفتاء. ومهما تكن مواقف الأطراف الداخليين والأخطاء التي شابت العملية الانتخابية في الشمال كما في الجنوب، على حدّ سواء، فإن الدول الغربية، وتحديداً الولايات المتحدة، تتجه إلى الاعتراف بنتائج انتخابات «الحدّ الأدنى».
اعتراف تحرّكه بالدرجة الأولى الرغبة في المضي قدماً في اتجاه تنفيذ الاستفتاء الذي يمثّل الجزء الثاني والأكثر أهمية في اتفاقية السلام الموقعة في عام 2005. وهو ما يبرر التناغم النادر في الموقف الأميركي مع موقف السلطات السودانية لجهة الإصرار منذ البداية على إجراء الانتخابات في موعدها من دون أي تأخير.
ومثّل تنظيم الانتخابات اختباراً واقعياً لكيفية تنظيم الاستفتاء في الجنوب، وفرصة للاستفادة من الأخطاء الانتخابية في محاولة لتفاديها في المرحلة المقبلة. ولعل الأهم، ما منحه الالتزام بموعد الانتخابات من آمال لتنظيم الاستفتاء، المقرر بعد ثمانية أشهر، في أجواء هادئة، ولا سيما أن إجراءه في ظل أوضاع متوترة سيؤدي حتماً إلى تزايد احتمالات نشوء دولة عدائية في الجنوب، تتخطّى آثارها السلبية السودان لتطال القارة الأفريقية بمجملها.