ثمّة عتبة خطيرة من عتبات الظلم يبلغها الشعب الفلسطيني، في الوقت الراهن، تتمثل بمحاباة بعض وسائل الإعلام للاحتلال الإسرائيلي وعدوانه المستمر على قطاع غزة. يتملك الشعب الفلسطيني في سوريا الإحساس بالفرح والحزن معاً. فرح بصمود أهلهم في غزة، ومقاومتهم الباسلة التي تدافع عن القطاع وأهله، أما الحزن فمرده إلى استشهاد وجرح آلاف الفلسطينيين، والخراب والتدمير والتشريد بما فيه من تجسيد لنكبة جديدة.

خطاب الهزيمة
يتابع الأسير المحرر والباحث في الشأن الإسرائيلي تحسين الحلبي تطورات الأوضاع داخل كيان الاحتلال على الصعد كافة. ويؤكد لـ«الأخبار» وهو الضليع باللغة العبرية التي أتقنها خلال سنوات الأسر، أن «خطاب الهزيمة يسيطر اليوم على كل دوائر القرار في هذا الكيان. يعترفون بالهزيمة خلال لقاءاتهم على شاشات القنوات الإسرائيلية، وفي منشورات مراكز الأبحاث والدراسات الاستراتيجية لديهم، وحتى في وسائل التواصل الاجتماعي» ويوضح الحلبي أن مثل هذه الأمور لا تلفت انتباه غالبية «وسائل الإعلام العربية والأجنبية»، داعياً إلى ضرورة متابعة المعنيين، وخاصة الصحافيين والكتّاب والباحثين للأوضاع داخل كيان الاحتلال الإسرائيلي، ومبيناً رفضه لـ«الإعلام الذي يحاول النأي بنفسه عن أن يكون في جبهة صريحة العداء والمقاومة لإسرائيل. فمثل هذا الخطاب الإعلامي يدلّل على أن وسائل الإعلام التي تدّعي الحيادية، إنما هي لا تريد الخروج عما يمكن أن يزعج أو يغضب الولايات المتحدة الأميركية وحلفاءها، وبالتالي هناك دول صديقة عربية كثيرة تحاول أن لا تتجاوز هذا المعنى الذي يحمله الخطاب الأميركي».

إعلام شعبي فاعل
تنشر وسائل إعلام غربية وعربية، أحياناً، الكثير من المعلومات المضلّلة والزائفة المتعلقة بحرب الإبادة الجارية، من دون تحقق أو تدقيق، وذلك ضمن معركة الدعاية التي تنشرها أو تشرف عليها أنظمة سياسية وأجهزة استخبارية وعسكرية وقنوات إعلامية إسرائيلية وغيرها صديقة، وتساهم وسائل التواصل الاجتماعي بانتشار الكذب والتضليل. لكن من جانب آخر، هناك من يستخدم وسائل التواصل الاجتماعي لتعرية الأكاذيب وكشفها. وحول ذلك، قال الحلبي «هناك إعلام شعبي، من خلال وسائل التواصل الاجتماعي، لا تحدّه حدود، وهو واسع النطاق، ويجب اغتنامه».

إعلام في قلب المعركة
تمكنت المشهدية الفلسطينية في هذه الحرب من التفوق، واستطاعت التغلب في معركة الرواية، وربما هذا ما يوضح التظاهرات التي تخرج في دول العالم مؤيدة للفلسطينيين. وهذا ما يراه الخبير العسكري العميد محمد محمود أبو زهرة، بقوله: «نقل الإعلام للرأي العام صورة الشعب الفلسطيني الصامد المتمسك بوطنه، رغم التضحيات الكبيرة والجوع والعطش وقلّة الدواء. في المقابل، رفض سكان مستوطنات غلاف غزة العودة إلى بيوتهم قبل انتهاء المعارك». ويضيف العميد أبو زهرة لـ«الأخبار» أن أهمية «طوفان الأقصى» على الصعد المختلفة، بينها الإعلامية «إذ كان لنشر الصورة والصوت لأبطال العمليات الفدائية ضد قوات الاحتلال التي دخلت أرض القطاع الأثر الكبير في تشجيع المقاومين، والتنافس بين الفصائل المقاومة، وإبراز الروح المعنوية للمقاتل الفلسطيني، لتقابل هذه الصور بروح معنوية منهارة لجنود العدوّ الذين كانوا يرقصون عند تلقّيهم أمر الانسحاب من غزة».

الإعلام الحربي ينير
تفرد الإعلام الحربي التابع للمقاومة وحلفائها في قلب الصورة النمطية للتغطية، ومواكبة الأحداث المتسارعة بصدقية عالية، وهو ما خلق واقعاً جديداً، بحسب رأي الكاتب والناقد أحمد علي هلال الذي قال لـ«الأخبار» إن هذا الواقع «سيستفيد من منجزات الميديا وفضاءاتها المختلفة لمصلحة الحدث الفلسطيني، وبطرائق مختلفة، تقارب حدث الطوفان». وأشار هلال إلى الدور الذي يؤديه الشباب العربي في استغلال هذه الوسائط من أجل تعرية العدوان الصهيوني وجرائمه «وفي المقابل تمجيد المقاومة الفلسطينية والعربية، ليصبح هذا البعد تراكمياً بامتياز، ويصبح ممنهجاً في نقل الصورة باحترافية عالية، ومحتوى واقعي وأدائي يخاطب العقل والوجدان، ويفرض إيقاعه وثقافة محتواه على نحو يعادل بلاغة الحدث أو يحاكيها في ظل انطفاء الإعلام العربي الرسمي».

زوال قريب للاحتلال..
للخبراء نظرتهم ورأيهم، وكذلك الإنسان العادي الذي يتابع أخبار غزة من وسائل الإعلام المختلفة، له رأيه أيضاً، فالسيدة عواطف محمد طالبة جامعية وربة منزل، قالت لـ«الأخبار»: «أنا كأمٍّ حزينة على الأهل في غزة، وما حلّ بهم من تقتيل وتدمير وتشريد يذكّرني بنكبتنا الأولى عام 1948. لا أنسى مشاهد الدم وصور الشهداء والجرحى في الشوارع والمستشفيات، وكل المجازر الإسرائيلية المستمرة أمام المجتمع الدولي وسياسة الصمت المطبق لدى الدول والجهات الدولية التي يفترض أن ترعى وتحمي حقوق الإنسان» وتضيف السيدة محمد أنها تتابع الأخبار من خلال وسائل إعلام مختلفة، وتستغل منبرنا لتوجّه رسالة إلى الأهل في غزة وفلسطين قائلة: «لا بأس عليكم إن غضّ العالم الطرف عنكم، فأنتم بعَين من لا تأخذه سِنةٌ ولا نوم، وإن النصر سيكون حليف شعبنا وإن الاحتلال إلى زوال قريباً».