لم يتوقّف نضال أهالي الجولان السوري المحتل منذ احتلاله عام 1967، فتمكّنوا، رغم إمكاناتهم القليلة وعددهم القليل، أن يفشلوا العديد من المشاريع الاستيطانية التي يبتغي الاحتلال الصهيوني منها تحقيق الضم الذي أقرّه قانوناً، وفشل به على مستوى البشر، أي السكان الأصليين للمكان الذي ما برحوا يدافعون عن خيارهم الرافض للوجود الإسرائيلي على أرضهم وفي حكمهم.ومن تلك المشاريع التي تفشل على الدوام، انتخابات المجالس المحلية التي يسعى الاحتلال مجدّداً إليها في 31 تشرين الأول المقبل، مستغلاً قلة ممن سوّلت لهم أنفسهم حمل الجنسية الإسرائيلية التي رفضتها الغالبية العظمى من أهالي الجولان، بقرار اجتماعي وديني.
ويعمل الاحتلال مستعيناً بأعوانه من المجنّسين على الإغراء بأهمية الانتخابات، بالإيحاء والكلام والإعلان أن هذه المجالس من شأنها تحسين شروط العيش والتطوير في الجولان، إلا أن هذا الأمر مرفوض جملة وتفصيلاً، ليس اليوم، ولا البارحة، بل منذ عام 1974، حين حاول الاحتلال فرض انتخاب رؤساء وأعضاء المجالس المحلية. السخرية القائمة في هذا الأمر، تعود إلى سبب رئيسي، هو أن من يُفترض أن يُنتخبوا يرفضون الجنسية الإسرائيلية، أي يرفضون إسرائيل، بالتالي لن ينتخبوا، ومن سينتخب هم القلة التي تحمل جنسية المحتل، وكذلك من سيرشحون أنفسهم، يقع عليهم الشرط ذاته، فعن أيّ انتخابات وأيّ مجالس محلية يتحدثون؟
حين حاول الاحتلال فرض هذه الانتخابات بعد احتلال الجولان بسنوات، رُفض المشروع بلا تردد، وكان الرفض مبنياً على أسس لا رجوع عنها، هي الهوية والانتماء، والرؤية القائمة على التحرر كمطلب رئيسي للوجود.

الاحتلال يعيّنهم
ما سبق لا يعني أنه لا توجد مجالس محلية، لكن هذه المجالس قام الاحتلال بتعيينها، لكنه يصطدم مع كل إجراء وواقعة وحادثة، بأن المجلس في وعي الجولانيين وممارساتهم بلا صفة اعتبارية أو سيادية عليهم، وهم بهذا الوضع يمارسون واقعيتهم البحتة، بانسجام تام مع قيمهم الوجودية في أرضهم وانتمائهم المطلق إلى وطنهم سوريا.
وهؤلاء القلة «المجنّسة»، يحاول الاحتلال استغلالها واستخدامها لفرض ما يريده، بسياسات ناعمة، لكنها سياسات لا تنطلي على السكان. فيحاول الاحتلال من خلال هؤلاء القلة، تمرير فكرة أهمية انتخاب رؤساء مجالس محلية كبديل عن تعيين سلطات الاحتلال لهم. فيعود ويصطدم هو وأعوانه بنبذ الفكرة ورفضها.
الطرف الآخر المقابل، هو احتلال، وسلطة أمر واقع قائمة بالاستيطان والاحتلال، وقرار ضمّها للأراضي السورية التي تضمنها القرارات الدولية، لا يمكن أن يستقيم والديموقراطية المُدعاة


السمّ في العسل
تلك المحاولات الاحتلالية، هي محاولة اعتادها أهالي الجولان، فهم يعلمون تماماً كيف يفكر الصهيوني بهم، فيفهمون جيداً سياسة «فرّق تسد»، وزرع الفتن في المجتمع المتماسك اجتماعياً وقيمياً ودينياً، والمتمسّك ببنود الوثيقة الوطنية التي اعتُمدت كدستور وطني في الجولان منذ عام 1981، مستمدّة روحيتها من الانتماء إلى الهوية الوطنية السورية، ومنسجمة مع العقيدة الدينية للأهالي هناك، وجامعة للقيم الاجتماعية الموروثة من خلال حفظ الإخوان وحب الأوطان والنضال ضد أي احتلال.
فتلك الفئة القليلة التي تجنّست، خالفت قيم مجتمعها الوطنية والدينية، وتتحدّث عن الديموقراطية والحرية وهموم الناس، ورفضت الوثيقة الوطنية، وقرارات الهيئة الدينية في الجولان المحتل ورجالات مجتمعنا الوطنية، لذا لا يحق لها تمثيل الناس. فالطرف الآخر المقابل، هو احتلال، وسلطة أمر واقع قائمة بالاستيطان والاحتلال، وقرار ضمّها للأراضي السورية التي تضمنها القرارات الدولية، لا يمكن أن يستقيم والديموقراطية المُدعاة، لا في الجولان ولا في أي مكان من المناطق المحتلة في فلسطين.
الجولان عربي سوري، وهذه حقيقة ليست بحاجة إلى إسناد أو إثبات، فأهالي الجولان يقاومون بصمودهم وصبرهم لتعديات الاحتلال، ويصبرون على هؤلاء الخارجين عن الإجماع، على قاعدة أن الحل بعلاج الخلل، وليس بتأجيج أسباب الفتن.

استمرار المواجهة
وأمام كل هذا، ومع أن المعركة كبيرة، والمواجهة طويلة، فإنّ الثقة والإيمان بالقيم الوطنية والدينية والاجتماعية والسياسية لأهالي الجولان، يؤكدان أن شرعنة الانتخابات في الجولان لن تمر، وأن الحل الأمثل، أن يتراجع كل مرشح عن تحدي إرادة المجتمع، ووقف التعالي على القيم الوطنية. وإن كانت القلة المجنّسة تريد «الديموقراطية» فما عليها إلا الذهاب لخوضها في دوائر أسيادها المحتلين. فالنتيجة هي كما كانت، لن تمر الانتخابات، وسيعيّن الاحتلال أحدهم، كما جرت العادة.
الحقيقة تؤكد أنه بعد مرور أكثر من خمسين سنة على احتلال الجولان، لا يزال التمسك بالثوابت الوطنية سلوكياً وهو غاية كل غيور على مجتمعه ومستقبله، والخدمات والتطوير هي ضرورات تفرض نفسها، وحاصلة كوسيلة متاحة لا يستطيع منعها أو حجبها لا احتلال ولا استعمار، وهنا الامتحان الحقيقي لنوايا من يتحدّث بهموم الناس في الجولان العربي السوري المحتل.
إنّ أي طموحات فردية أو جمعية لا تعتمد الأساس القيمي الوطني هي في الحقيقة كامتلاك حرية بلا ضوابط أخلاقية، ستؤدي إلى انحلال مهما بدا المشهد متطوّراً.