في جو من التوجس من شيوع توصيف الفصل العنصري وتوظيفه من قبل المنظمات غير الحكومية الدولية، ظهرت عدة أصوات معارضة للتوصيف ظناً أنه تصفوي الطابع بالنسبة إلى مسألة حق اللاجئين بالعودة إلى فلسطين.محمد مجدلاني، كتب في مجلة «حبر» أن توصيف الفصل العنصري يستثني من خريطته الإدراكية تماماً تجمعات الوجود الفلسطيني في قطاع غزة ومخيمات الشتات. أمّا كريم قرط، فيكتب في منصة «متراس» أن أنصار هذا التوصيف وإن كانوا يدَعون أنه يتيح المطالبة بعودة اللاجئين، إلا أنه يساوي بين المهجر الفلسطيني في الشتات والمستوطن اليهودي الذي يحق له الهجرة بموجب قانون العودة الصهيوني.
هذا التوجس مفهوم، فقد تم تسخيف مصطلح الفصل العنصري وإفراغه من مضمونه تماماً كما تم توسيع مصطلح الفاشية -مثلاً- من دون الأخذ في الاعتبار منابته التاريخية المادية في ألمانيا وإيطاليا كما يقول متخصص الشؤون الدولية دانيال بسنر. على سبيل المثال، تتمرس بيئة الإعلام والمراكز البحثية والمعارضة الإيرانية في واشنطن في استخدام المصطلح غير العلمي والدعائي «أبارتهايد الجندر» ضد طهران. وفي مثال آخر، كتب أحد صحافيي مجلة «ذي إنترسبت» (التي استقال منها غلين غرينوولد قبل فترة) مقالاً خلص فيه إلى وجود «أبارتهايد الماريجوانا»، وأن فلسطينيي الطبقة الوسطى -يا حرام- يلاقون صعوبة أكبر من أقرانهم الإسرائيليين في الولوج إلى الحشيش.
هنالك سوء فهم كبير للمعنى السياسي والاستراتيجي لوجود نظام فصل عنصري في أي بيئة إقليمية ودولية، من أولئك الذين يقومون بتصفية تاريخية للمعنى الاستعماري للفصل العنصري ويلطخونه بلطخة نيوليبرالية ومن أولئك الذين يشعرون بالنفور من هذه اللطخة فيرفضون حتى قراءة التاريخ المادي الاستعماري للفصل العنصري والمقاومة ضده.
أحد أسباب سوء الفهم هذا يتأتى من الخلط بين الفصل العنصري، كنظام شمولي استعماري، وبين التمييز العنصري كمسألة حقوقية ليبرالية يتم تداولها في بيئة المنظمات غير الحكومية. بالنسبة إلى محمد مجدلاوي، فإن توصيف الفصل العنصري باطل في مخيمات الشتات وفي قطاع غزة ذات الغالبية اللاجئة، ذلك لأن تصميم السياسات الإسرائيلية وتنفيذها في هذين السياقين ليس هدفها التمييز ضد الفلسطيني، بل هدفها تحقيق الإزالة المادية للوجود الفلسطيني. هذا غير دقيق، ليس الهدف من إقامة نظام فصل عنصري إحداث تمييز في الحقوق المدنية والاقتصادية بين مجموعتين عرقيتين، فتحصل واحدة على تمثيل أفضل في البرلمان ووظائف ومساكن أفضل (وحشيش أفضل بالنسبة إلى عباقرة الصحافة في «ذي إنترسبت»).
على العكس من ذلك، مفهوم الفصل العنصري لا يتناقض مع، بل يتضمن، مفهوم الاضطهاد الجماعي والتهجير والإبادة، بل إن جريمة الفصل العنصري، بموجب القانون الجنائي الدولي، هي ثاني أكبر الجرائم الدولية جسامة بعد الإبادة الجماعية. وميثاق روما التأسيسي للمحكمة الجنائية الدولية يؤكد أن نظام الفصل العنصري لا يستديم ذاته فقط عن طريق التمييز بمعناه الحقوقي الضيق بل عن طريق الإبادة والاضطهاد والتهجير القسري للسكان.
في عام 2017، قامت مجموعة عمل من الباحثين ذات توجهات عروبية وعالم ثالثية في لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا في لبنان بصياغة تقرير شامل عن نظام الفصل العنصري، وأكد التقرير أن منع اللاجئين من العودة يقع في صلب سياسة الهندسة الديموغرافية التي يقوم عليها نظام الفصل العنصري الإسرائيلي. حيث نص التقرير على أن السمة المميّزة للفصل العنصري الإسرائيلي هي استدامة الهيمنة على الفلسطينيين بغرض تعزيز دولة يهودية من خلال تجزئة الشعب الفلسطيني إلى أربعة فضاءات منفصلة خاضعة للسيطرة التمييزية والإخضاع. تم تكييف هذه الفضاءات لمنع الفلسطينيين من أبناء الأراضي المحتلة عام 1948، والضفة الغربية وغزة، والقدس، واللاجئين الذين يعيشون خارج فلسطين الانتدابية، من تحدي الطابع القانوني لإسرائيل كدولة يهودية.
والنظام الإسرائيلي صريح في عنصريته في الربط بين أيديولوجية الفصل العنصري لديه ومنع اللاجئين من العودة. حيث نشر الموقع الإلكتروني لوزارة الخارجية الإسرائيلية مقالاً نص فيه على أنه إذا كانت «إسرائيل» ستسمح للاجئين بالعودة سيكون ذلك انتحاراً من جانبها، ولا يمكن أن نتوقع من أي دولة أن تدمر نفسها. هذا الإعلان تناص مطابق مع ما قاله دانييل فرنسوا مالان، رئيس وزراء نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا، والذي قال إن التوجهات الهادفة إلى منح كامل الحقوق لغير الأوروبيين، ستؤدي في حال نجاحها إلى «الانتحار النهائي السياسي والاقتصادي للمجتمع الأوروبي» في جنوب أفريقيا، وهذا احتمال لن ترحب به أي حكومة.
كذلك، فإن النظرة الضيقة لنظام الفصل العنصري بوصفه علاقة بين نظام سياسي يميز ضد أفراد فئات عرقية يعيشون تحت هذا النظام، لا يمكن أن تفهم النظام بعمق من ناحية علاقته مع الدول والجماعات المغايرة له المشابهة إثنياً لمقموعيه والمحيطة به في الإقليم والتي هي أيضاً علاقة تقوم على الهيمنة الجزئية أو الكلية الاستراتيجية والعسكرية والأمنية والحضارية.
منذ نشوء أيديولوجية «قومية الأفريكانز» في جنوب أفريقيا وهي قائمة على كونها أداة «نجاة عرقية والدرع الحامي للفوقية البيضاء في قارة تحوي مئات الملايين من السود». وقد أكد على ذلك رئيس وزراء النظام الجنوب أفريقي بيتير وليم بوتا، المسؤول عن تأسيس البرنامج النووي العدائي للنظام، حيث قال إن «السلاح النووي هو سلاح سياسي وليس سلاحاً عسكرياً» حيث سيتيح للنظام إدارة صراعه الاستعماري من قاعدة الاستراتيجية النووية وذلك لردع لسياسات القوة السوداء. وفي عام 1973 تنبهت الدول الاشتراكية ودول العالم الثالث إلى الفصل العنصري كمشكلة أمنية إقليمية عندما تبنت في الأمم المتحدة الاتفاقية الدولية لقمع جريمة الفصل العنصري والمعاقبة عليها (بينما رفضت الدول الغربية تبنيها والانضمام إليها) والتي أكدت في ديباجتها أن «الفصل العنصري ومواصلة تعميقه وتوسيع مجالاته أمور خطيرة تعكر وتهدد السلم والأمن الدوليين».
لهذا لا يمكن لنظام الفصل العنصري الإسرائيلي أن تكون له علاقة مع معظم دول الإقليم إلا من خلال منظور الهيمنة. فإذا كانت الأهداف الاستراتيجية الثلاث للنظام هو منع عودة اللاجئين، ورفض الانسحاب من الأراضي العربية المحتلة، والتفوق العسكري الاستراتيجي لبناء درع يضمن استمرارية الهدفين الأوليين، فهذا يعني أن جهود الهيمنة ستكون مضاعفة على دول اللجوء الفلسطيني العربية في الأردن وسوريا ولبنان.
وهذا يعني أن التطبيع الفردي والجماعي ليس فقط محض سذاجة أو تخاذل أو مصلحة واقعية، بل هو قبول بشروط الهرمية الحضارية في العلاقة بين نظام الفصل العنصري ومحيطه من قبل البرجوازيات المدينية القطرية، من ناحية، والبرجوازيات الطائفية اليمينية من ناحية أخرى والتي ترغب في استنساخ التجربة الإسرائيلية وتحقيق حلم دويلتها الطائفية النقية.
خلال مراجعتها الدورية للوضع في الكيان الإسرائيلي كانت لجنة الأمم المتحدة للقضاء على التمييز العنصري في جنيف دائماً ما تصرح بمنع اللاجئين الفلسطينيين من العودة كإحدى أهم زوايا الإقصاء العنصري الذي يقوم به النظام، وذلك في جلساتها في الأعوام 1987، 1992، 1998، 2007. لكن مع مجيء جلسة اللجنة في عام 2012 لدى بدايات حقبة الانهيار في دول المشرق، لم تعد اللجنة تذكر حق العودة الفلسطيني. ذاك كان قبولاً ضمنياً وتطبيعاً من قبل المجتمع الدولي لخريطة الفصل العنصري في المشرق العربي.