التقصير في ملف الأسرى يرتقي إلى حدّ جريمة قرارات الإبعاد وسحب الجنسية «نقلة مرحلية»

كمحاولة لردعهم عن الالتزام بخط المقاومة بكل أشكالها، وتهديد وجودهم واستمرار نضالهم، يعمل الاحتلال ضد الأسرى من خلال ما يسمّى قانون «عدم الولاء» والملفات السرية، وقد سحبَ إقامة صلاح الحموري في القدس بناءً عليه. الحموري، المحامي والأسير المقدسي المبعد إلى فرنسا التي يحمل جنسيتها، يتطرّق إلى جهود الاحتلال الأخيرة في تمرير قوانين جديدة لمحاربة الأسرى والأسرى المحرّرين في القدس والداخل المحتل على وجه الخصوص، موضحاً أن «مساحة استغلال الاحتلال لهذا القانون كانت ضيقة، وآلية عمل محاكمه من خلاله صعبة ومعقدة، ولذلك استهدف الاحتلال فيه ملفّي الشخصي لاعتبارات ذاتية وملفات بعض الأسرى الآخرين، أي أن هذا القانون يتيح لهم العمل على ملفات معينة فقط». ويرى أنّ «ما يحدث الآن بعد المصادقة على قانون سحب الجنسيات والإقامات، هو أن الاحتلال أصبح بحاجة إلى مخرج «قانوني» آخر ضمن برنامجه الممنهج في محاربة القدس والداخل، حيث يرى أنه بحاجة إلى وعاء أكبر يستطيع من خلاله تمرير مجموعة قضايا تتضمن ملفات الأسرى والأسرى المحررين كمحاولة لردعهم، فالقانون الجديد يعطي وزير الداخلية صلاحيات أكبر لتسهيل عملية إبعاد الأسرى والأسرى المحررين وسحب إقاماتهم، ليسهل بالتالي ترحيلهم وإبعادهم».

يؤكد الحموري أن الاستهداف يطال عائلات الأسرى المحررين أيضاً، وهو ما شهدناه أخيراً في القدس، من سياسات تجميد أموال عائلات الأسرى المحررين وذويهم وحتى نهب أموالهم وذهبهم بعد اقتحام بيوتهم. ويعلّق متهكّماً على هوس الاحتلال بأنه إن لم يجد مالاً يسرقه فسيصادر «حتى بلاي ستيشن شقيق الأسير المحرر أو زجاجات عطر أخته».
يعتبر الحموري أن تجربته في السجن، والإبعاد الذي تعرض له، ليس استهدافاً لشخصه فقط، بل هي سياسة ينتهجها الاحتلال ضد المقدسيين. فإفادة وزير داخلية العدو بأن الإجراءات ضد صلاح الحموري وملفه الشخصي لا تتعلق فقط به وحده، وهي تهدف إلى ترهيب المقدسيين من عواقب هذا النهج والطريق النضالي الذي سلكه الحموري وغيره من الأسرى. كما يرى أن إدخال قرار الإبعاد إلى قطاع غزة، وعدم اقتصار إبعاد المقدسيين وفلسطينيي الداخل إلى الضفة، يعدّ نقلة مرحلية «في محاولة خلق الردع».

توحيد الساحات في وجه الحرب على الأسرى
يشرح الحموري كيف يعمل الاحتلال دائماً على تفكيك مجتمعنا الفلسطيني وتفكيك جبهاته النضالية، فيعمل ضمن استراتيجية تهدف إلى عزل كل ساحة عن الأخرى، لنرى أن «غزة تصارع وحدها، والضفة تصارع وحدها، والقدس تصارع وحدها، والأسرى يواجهون وحدهم، واللاجئون يواجهون وحدهم. والمرة الوحيدة التي توحّدت فيها المواجهة، هي في معركة «سيف القدس»، التي رأينا خلالها الشارع الفلسطيني موحّداً في القدس والداخل المحتل وقطاع غزة والضفة الغربية وفي الشتات أيضاً». نجح الاحتلال لاحقاً في تفكيك إنجازات «سيف القدس»، ما يفسّر بحسب الحموري اضطرار الأسرى بعدها لخوض مواجهتهم وحدهم، ويقول: «إن قرارهم بخوض نضالاتهم وإضراباتهم حالياً من أجل تحسين أوضاعهم أو للمطالبة بحريتهم، هو نتيجة لوصول الأسرى إلى مرحلة إدراك، أنهم تركوا وحدهم».
أمّا ما بعد «سيف القدس» ومحاولات التوحيد، يرى الحموري أننا «للأسف لم ننجح كفلسطينيين في تشكيل أي حالة وجود استراتيجية وطنية فلسطينية قادرة على الرد على الاحتلال، والخروج أيضاً من إطار ردة الفعل، فنحن لم ننتقل إلى مرحلة نكون فيها الفاعل إلا في حالة «سيف القدس» الاستثنائية، إن فكرة أننا ما زلنا عالقين في إطار رد الفعل على انتهاكات الاحتلال، تفقدنا الاستراتيجية الوطنية لرسم أهدافنا فلسطينياً والنضال من أجلها». ويردّ ذلك إلى أن «الاحتلال تعلم الدرس في «سيف القدس» بعدما رأى كيف شكّلت وحدتنا خطراً على الكيان الصهيوني».
ويعتبر الحموري أن عدم وجود مشروع وطني فلسطيني، يعمل على مراكمة الإنجازات وترجمتها سياسياً، سهّل على الاحتلال تفكيك المنجزات الوحدوية التي حققتها معركة «سيف القدس»، ويشرح الحموري مساعي العدو التي يقسمها إلى ثلاثة:
(1) زيادة الاستهداف في القدس والداخل المحتل وزيادة التضييق بهدف الردع، والتي جاءت ضمن التقديرات الإسرائيلية الأمنية، والقانون الجديد هو إحدى الوسائل، بالإضافة إلى الأحكام العالية والرادعة التي صدرت بحق فلسطينيي الداخل بشكل خاص.
(2) العمل على تحييد قطاع غزة في أي مواجهة قادمة وتفكيك جبهة المقاومة.
(3) زيادة التصاريح للعمّال في كل من الضفة الغربية وقطاع غزة وفتح سوق العمل كجزء من مساعي الاحتلال الاقتصادية المرتبطة بالأمن.
وأمام كل هذه المساعي الإسرائيلية، يبيّن الحموري أننا ما زلنا لا نستطيع مراكمة إنجازات سياسية، ولا الخروج من دائرة الفصائلية التي تمنع من مراكمة هذه الإنجازات، والتي تحول دون الارتكاز على انتصار مثل الذي حقّقناه في «سيف القدس»، كنقطة انطلاقة لمشروع وطني فلسطيني تحرري موحد.

خطط التهجير ثابتة
مع كل حكومة جديدة، يدور الحديث مجدداً عن تغيّر ما في سياسات الاحتلال، لكن الحموري يرى أن «الخطط هي نفس الخطط، قد تختلف آلية تنفيذها من ناعمة إلى صريحة باختلاف الحكومة، لكن على المستوى الاستراتيجي في ما يتعلق بخطط التهجير، لا تختلف حكومة لابيد عن حكومة نتنياهو، وقد رأينا الدليل في الإجراءات التي اتخذتها الحكومة السابقة»، كما أن الوضع في المنطقة، ولا سيما عند الحديث عن التطبيع العربي، يلعب دوراً في سياسة التهجير، لعدم وجود أي رد عربي.
ولعل سياسات حكومات الاحتلال المتعاقبة تجاه الفلسطينيين، والتي منها الهدم والقتل، تساهم في التصعيد الفلسطيني، لكنها وحسب الحموري ليست هي وحدها ما تجعل الشارع يتوحد، إنّما «عنجهية الاحتلال المتمثلة أخيراً بتصريحات بن غفير، تدفعه إلى ارتكاب حماقات توصلنا إلى طريق المواجهة هذا، الذي يليق بحجم العنجهية التي يمارسها الاحتلال. وقد شهدنا كيف اعترض مسؤولون وإعلاميون على تصريحات بن غفير وحمّلوه مسؤولية ما يحدث من تفجير للوضع».
الضفة والأمل في تطور حالة المقاومة
«استطاع الاحتلال خلال عملية السور الواقي العمل على اجتثاث كل ما هو وطني فعلي على الصعيد الفكري واللوجستي والبشري وملاحقة الكوادر ومحاربة وجودها، ومما سهل عمل الاحتلال واقع أنه يستهدف منطقة محصورة»، هكذا يرى الحموري حالة الضفة الغربية حتى ظهور كل من «عرين الأسود» و«كتيبة جنين» و«كتيبة أريحا» وكل الكتائب الأخرى على امتداد الضفة الغربية. يضيف واصفاً حالة تلك الكتائب بأنها «مثل كرة الثلج التي تكبر وتكبر، حتى وإن استمرت في التراجع والتقدم، لكن نهاية هذه الظاهرة لها محصلة عالية، ولو كان التراكم يجري بصورة بطيئة».
يرى الحموري في ظاهرة مثل ظاهرة «العرين» مثالاً على تجربة مهمة في توحيد الساحات، من خلال نشاطه وبياناته، ويؤكد ها هنا على أهمية أن يتبنى الكل الفلسطيني هذا الخطاب الوحدوي، فنحن كفلسطينيين «لن نستطيع المواجهة إن لم نكن موحدين، وما زالت الفصائل الكبيرة تستنزف القضية، وتحول دون توحيد الساحات، وخاصة عند العودة إلى الانقسام الذي استنزف قضيتنا، وسمح للفصائل باستمرار تقديم مصالحها الفئوية على القضايا الوطنية الاستراتيجية، فالانقسام عطّل وشلّ حركة المقاومة من 2006 حتى اليوم، أي منذ 17 عاماً، والمشروع الوطني التحرري معاق، وهو ما يفسر خروج كتائب صغيرة تتجاوز هذا الوضع، وتبادر في استنهاض المقاومة، كما أن الجيل الذي يقاتل الآن هو جيل لم يشهد حتى الاجتياح وإعادة الاحتلال العسكري للضفة، فهو تجاوز مرحلة الخوف ولم يشكل الخوف من الاحتلال وعيه، وعلى الرغم من صغر رقعة المقاومة في الضفة إلا أنها حققت إنجازاً مهماً على مستوى النهوض في الوعي الفلسطيني والنهوض بحالة المقاومة، إلا أننا ما زلنا نفتقر إلى التنظيم، وترجمة هذه المنجزات على نطاق سياسي أوسع بسبب التركيبة السياسية المعقدة، وكل ذلك تعطل بسبب دائرة الفصائلية والانقسام».
إضافة إلى المشهد في الضفة، يشدد الحموري على ضرورة استمرار العمل في القدس والداخل المحتل كمركز للتحرك، وخاصة في الفترة القادمة، بهدف رسم استراتيجية وطنية موحدة، تساعد في تكبير كرة الثلج في كل الساحات الفلسطينية، والتي بدورها تحمل معها ملف الأسرى. كل ما يتحدث عنه الحموري في ما يخص شرارة الانتفاضة والمقاومة في الضفة وتطورها وتوحيدها مع القدس والداخل المحتل بنظره تصب في مساعي العمل كشارع فلسطيني موحد، للارتقاء بالعمل المقاوم حتى لا تعزل ساحة عن أخرى، من ضمنها ساحة المعركة في السجون.

التقصير في ملف الأسرى
يرى الحموري أن الأسرى في السجون متروكون، وأنهم لا يستطيعون أن يقفوا متفرجين أمام التقصير بحق قضيتهم ومعركتهم، فهؤلاء قدموا تضحيات من أجل قضيتهم، وبعضهم أحكامهم عالية، تصل إلى أكثر من مؤبد، ومنهم مما قبل أوسلو، وأولئك الذين أسروا خلال الانتفاضة الثانية، جميعهم قابعون، بلا أي تحرك جدي من أجلهم، وهم يستمرون في مناشدة فصائلهم ومراسلتهم، للضغط والعمل على تحريرهم، وهذا التقصير «يرتقي إلى حد جريمة بحق الأسرى»، يضيف: «نحن نشاهد ما يحدث في السجون، وكيف يقدم الأسرى شهداء مثل الشهيد ناصر أبو حميد، والشهيد أحمد أبو علي».
«لا يمكننا أن نقف متفرجين»، وخاصة مع الإضراب الذي أعلنته الحركة الأسيرة في آذار القادم، ولا سيما أنه لا يستبعد أن «تقدم المعركة شهداء داخل السجون، فمن المتوقع أن يخوض الأسرى الإضراب على الطريقة الإيرلندية «الحرية أو الشهادة»، و الغرض من الإضراب مطلبي وسياسي، بحيث سيسعى الأسرى إلى تحقيق مطالبهم الأساسية، وخاصة مع تهديدات بن غفير الصريحة والعلنية حتى للخبز»، كما أن الإضراب «هو سياسي أيضاً، يشكل ناقوس خطر للفصائل والشعب الفلسطيني للضغط عليهم للتحرك من أجل الحركة الأسيرة».

معركة الأسرى والعمق العربي
لا شك أن علاقات التطبيع العربية مع الاحتلال ساعدت في تشكيل غطاء لانتهاكات الاحتلال: «إن عدم وجود أي رد عربي، من مصر أو الأردن وغيرهما من الدول العربية، يعطي الضوء الأخضر لاستمرار سياسات التهجير الإسرائيلية، ومن ضمنها قضية إبعاد الأسرى، كما أن موجة التطبيع المغربية والخليجية، زادت علنية التواطؤ ضد القضية الفلسطينية وقضية الأسرى» أو بالعامية الفلسطينية، كما يعلّق الحموري: «الإسرائيليين مركنين». «المناضلون في السجون لم يناضلوا من أجل أنفسهم فقط، بل من أجل شعوبنا العربية جميعها، بهدف انتزاع حرية الوطن العربي، لخلق ساحة عربية تخلو من الهيمنة الغربية».
ملف الأسرى الفلسطينيين هو ملف عربي لأنه «امتداد للتضحيات العربية، التي شاركنا فيها أسرى من كل الشعوب العربية من سوريا ولبنان والأردن واليمن ومصر…»، والقائمة تطول على امتداد حدود الوطن العربي، فلا يمكن أن تقتصر على منطقة أو حركة مقاومة واحدة. يخلص الحموري إلى أنه ما لم يعد العمق العربي للقضية، وخاصة في دول الطوق على حدودنا المحتلة، فلن يكون هناك حل لإيقاف عملية تسريع التهجير والاقتلاع، والمطلوب «إرجاع القضية الفلسطينية كجوهر للقضية العربية، لأن حالة الاستهداف للعمق العربي جذرها فك الارتباط بفلسطين، وإنهاء دور الشعوب العربية في الصراع، وإلهاؤها، وهذه العملية تدمير ممنهج، هدفها إعادة تشكيل المنطقة على أساس أن إسرائيل ليست عدواً».

العمل الأممي والدولي
وعلى الرغم من الوضع الراهن، الذي يضيّق الخناق على القضية الفلسطينية، يؤكد الحموري أن هناك مساحة كبيرة للفلسطينيين للعمل على تشكيل ضغط، بهدف إعادة طرح قضية الأسرى. ويضيف إن ملف الأسرى من أهم الملفات والقضايا الفلسطينية التي يمكننا عبرها تشكيل قاعدة ضغط ورأي عام، لوقف انتهاكات الاحتلال التي لا تقف عند ملف واحد. ويوضح أن هناك تحديات تواجهنا كفلسطينيين في هذا العمل، فهناك صعوبات حالياً لا يمكن أن ننساها «تتمثل في أن المساحات للعمل ضاقت وتغيرت عن الماضي، بسبب صراعات اليمين واليسار دولياً، وفي أوروبا تحديداً، إضافة إلى حالة التشرذم التي يعانيها الفلسطينيون في أوروبا والعالم، وخاصة بعد الحرب السورية». ومع ذلك، يرى أن العمل دولياً من أجل الضغط لمصلحة كل الملفات الفلسطينية، هو «عمل نبيل، وحلقة من حلقات النضال الفلسطيني التي لا يمكن تركها خالية»، ويؤكد في هذا السياق أن «تركيبة حلقات النضال الفلسطينية الاستثنائية، وخاصة مع أعداد الفلسطينيين في الشتات التي تزداد طوال الوقت، مع زيادة التهجير والإبعاد والاقتلاع، - لا يمكن تصنيفهم تحت مظلة مهاجرين - لذا فدورهم في حلقات النضال على الساحة الدولية ينصبّ في مساعيهم لتوحيد معركة العودة، مع كل المعارك الفلسطينية الأخرى»، وبهذا يصف صلاح الحموري دوره وعمله بعد الإبعاد: «معركة أيّ فلسطيني لا تنتهي بإبعاده داخل فلسطين أو إلى الخارج. وكل أسير محرّر أو مبعد، يعود دائماً لينخرط في ساحة النضال، كما أن سياسات الاحتلال كما نرى تستمر حتى بعد التحرر والإبعاد، وبالتالي تستمر معركة النضال».

الأسير والحقوقي المقدسي المبعد إلى فرنسا