غزة | يغيّر القرب من القائد تيسير الجعبري، الصورة النمطية عن القادة العسكريين. هكذا قال عنه أحد رفاقه. هو، خلافاً للكثيرين منهم، هادئ إلى الحدّ الذي لا يستفزّه شيء، ذكي إلى أبعد الحدود، ووحدوي. وعلى رغم امتلاكه رؤيته السياسية والفكرية الخاصة، فهو لا يرى في الأحزاب إلّا الوسيلة المثلى للمقاومة والتحرير.ولد ابن حيّ الشجاعية في العام 1972، وانتمى إلى حركة «الجهاد الإسلامي» في مطلع التسعينيات، ونشط في الجناح العسكري الأوّل للحركة، «القوى الإسلامية المجاهدة - قسم»، فيما لم يمنعه نشاطه العسكري الذي انخرط فيه مبكراً من أن يمارس أدواراً اجتماعية وثقافية وأكاديمية لافتة داخل التنظيم، حتى إن اسمه اقترن بقيادته لـ«الجماعة/ الرابطة الإسلامية»، وهي الإطار الطلابي لـ«الجهاد»، الذي برع في إدارته لسنوات طويلة.

الخبرة التي راكمها خلال ثلاثين عاماً من انخراطه في المقاومة، أهّلته لأن يشارك في قيادة عدد من الحروب والجولات القتالية، إلى جانب مشاركته بشخصه في تفاهمات التهدئة في مصر. وقد نجا من عدّة محاولات اغتيال؛ إذ قصفت الطائرات الحربية شقّة كان يتواجد فيها وسط مدينة غزة عام 2012، حيث قضى رفيقه مسؤول الإعلام الحربي، الشهيد رامز حرب. كما نجا من محاولة اغتيال أخرى عام 2014، استشهد فيها عدد من مقاتلي «السرايا»، ومن محاولة ثالثة خلال عملية «الحزام الأسود» عام 2019.
عُرف عن عضو المجلس العسكري في «السرايا»، إيمانه المطلق بالصعود البياني لقوى المقاومة في المنطقة. يقول أحد مَن عايشوه: «أبو محمود كان مؤمناً بأن الطريق الذي يسلكه محور المقاومة، برغم أنه شائك ووعر، إلّا إن نتاجاته آمنة، كان يقول إن المقاومة ليست مقامرة، هي نهج أثبت تاريخياً أنه آمن النتائج». عقب اغتيال «شقيق روحه»، القائد بهاء أبو العطا، في عام 2019، تقلّد الجعبري منصب قائد المنطقة الشمالية في «سرايا القدس»، إلى جانب عضويته في المجلس العسكري الأعلى منذ عام 2019. يميل الجعبري في أسلوبه العسكري، وفقاً لِمن يعرفونه، إلى «العمل المدروس والمركّز والبعيد من العشوائية، وتُمثّل معركة كسر الصمت التي خاضتها السرايا عام 2014 وقصفت فيها كافة المدن والبلدات المحاذية للقطاع بأكثر من 130 صاروخاً خلال 20 دقيقة، نموذجاً من طرائق خططه العسكرية».
خلال معركة «سيف القدس»، نجح لواء الشمال الذي كان الجعبري على رأسه، في تنفيذ عملية استهداف بأحد الصواريخ الموجّهة لجيب عسكري إسرائيلي شمال القطاع، وقد حمّلته إسرائيل، إلى جانب الشهيد حسام أبو هربيد، المسؤولية المباشرة عن العملية، وروّجت، خلال الأيام الماضية، لكوْن «السرايا» تخطّط، تحت إشرافه، لعملية استهداف بسلاح ضدّ الدروع. ووفق مزاعم الاحتلال، فإن رصداً تمّ للوحدات التي كان الجعبري يشرف عليها، قبل أن يعتقَل الشيخ بسام السعدي، فيما أدى اعتقال الأخير إلى تزايد الإنذارات بإمكانية تنفيذ هذه المجموعات استهدافاً للمدرّعات الإسرائيلية.
استشهد القائد تيسير الجعبري، عصر يوم أمس الجمعة، إثر قصف طائرات الاحتلال برج فلسطين في حيّ الرمال وسط مدينة غزة، بسبع قنابل من نوع «GBU39»، أدت إلى استشهاده إلى جانب عدد من رفاقه.