اللبنانيون استعادوا «أجواء الحرب»... ولو لساعات

انعكس تصعيد الاحتلال الاسرائيلي عدوانه في الأيّام الماضية، ولا سيّما الجمعة بشنّه غارات جوّية على الحدث (ضاحية بيروت الجنوبية)، على القنوات التلفزيونية بقدر ما انعكس على مواقع التواصل الاجتماعي. هذا يعني أنّ الجميع عاد إلى أيّام «حرب الشهرَين»، وتخندق بما يتناسب مع دوره.
هكذا، عبّر متطرّفون عن فرحهم بقتل عدوّ بلدهم الأوّل لمواطنيهم، تماماً كما كانوا يفعلون أيّام الحرب، فيما استعادت القنوات البثّ المباشر، من الأرض ومن الاستديوهات، ولسان حالها كما سكّان المناطق المستهدفة، هو الخوف من عودة الحرب بمعناها الواسع. ويصعب أن تكتمل العودة إلى «أجواء الحرب»، ولو لساعات معدودة، من دون نفايات قناة mtv التي دائماً ما تأبى إلّا أن تغرّد في سرب مختلف عن كلّ نظيراتها، ولو عنى ذلك بثّ الأخبار الكاذبة والتخلّي عن مواقف تطلقها منذ مدّة.
كالعادة، تبنّت mtv سردية العدوّ بحذافيرها، رغم اختلاف هذه المرّة عن شهرَي الحرب من حيث وجود اللجنة الخماسية لمراقبة وقف إطلاق النار، بالإضافة إلى وجود رئيس للجمهورية وحكومة مكتملة الصلاحيّات، وجميع هؤلاء قالوا بعكس ما قاله العدوّ، باستثناء الولايات المتّحدة.
من تلقاء نفسها، قرّرت القناة أنّ مطلق الصواريخ نحو فلسطين المحتلّة، والتي استخدمها العدوّ ذريعة لتصعيد اعتداءاته، «مجهول معروف». هي بالطبع تشير إلى المقاومة في لبنان بخلاف أيّ منطق سياسي أو عسكري أو تكتيكي، معتمدةً على حقدها الأعمى الذي يجعلها تتصرّف بهستيرية المهووس الذي يريد أن يرمي كلّ شيء وأيّ شيء على الخصم، ولو كان لا يقنع حتّى مؤيّديه.
فغير عدم مصلحة المقاومة في إطلاق بضعة صواريخ لا تقدّم ولا تؤخّر، وهو ما انعكس في تأجيل فعاليّات «يوم القدس» وكلمة الشيخ نعيم قاسم إلى اليوم التالي، تجاهلت mtv ما قاله رئيسا لبنان وفرنسا في مؤتمرهما المشترك في اليوم ذاته من العدوان، من حيث تحميل كيان الاحتلال مسؤولية التصعيد «غير المبرّر»، كما نفي رئيس الجمهورية علاقة «حزب الله»، بالإضافة إلى نفي الحزب نفسه.
كما تجاهلت ما قاله الجيش اللبناني. وكأنّ ذلك لم يكن فيه تضليل بما فيه الكفاية، ركّزت القناة على المبعوثة الأميركية الصهيونية مورغان أورتاغوس التي حمّلت «الإرهابيّين» مسؤولية «الهجوم» على «إسرائيل»، بل اختارت بثّ مقابلة معها أجراها مراسلها في الولايات المتّحدة آلان ضرغام، في استعادة لتقديمها قبل أشهر أوراق الطاعة للرئيس دونالد ترامب في مقابلة معه قبل انتخابه!
وفي مقدّمتها مساء الجمعة، سألت القناة «مَن هي الجهة التي تعمّدت توجيه رسالة سلبية إلى سيّد العهد الموجود في باريس، في محاولة للإيحاء أنّه ممنوع إعادة بناء الدولة؟». فوق ذلك، أسبغت الشرعية على ما يقوله المتحدّث باسم «جيش» الاحتلال، فأوردت: «اتّهم المتحدّث باسم الجيش الإسرائيلي أفيخاي أدرعي الحزب صراحةً، إذ كتب على منصّة X: يبدو أنّ حزب الله مصرّ ما يتعلّم ولم يفهم الدرس جيّدًا».
كما أوردت أنّه «كانت للموفدة الأميركية مورغان أورتاغوس مواقف قوية في حديث خصّت به الـmtv. أورتاغوس اعتبرت ما قامت به إسرائيل اليوم في إطار الدفاع عن النفس ليس إلّا، لأنّ هناك هجومًا إرهابيًّا شُنّ عليها، كما قالت». أمّا في مقدّمتها مساء السبت سألت ببلاهة: «هل يمكن أن تكون طهران تسعى من خلال الصواريخ اللقيطة إلى تحسين شروط تفاوضها الصعب مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب؟».
من جهتها، تركّز OTV في المدّة الأخيرة على انتقاد كلّ الأطراف غير «التيّار الوطني الحرّ»، كما مشاركتها في الحكومة معاً. في مقدّمتها مساء الجمعة، ربطت ذلك بالتصعيد الصهيوني، فأوردت: «مَن كان في الماضي القريب يقيم الدنيا ولا يقعدها كلّما دعا رئيس الجمهورية إلى البحث في استراتيجية للدفاع الوطني، على اعتبار أنّها هرب إلى الأمام من معالجة ملفّ السلاح، بلع اليوم لسانه بعدما صار مشاركًا في الحكومة إلى جانب حزب الله».
وفي مقدّمتها مساء السبت، أوردت «أمس قال رئيس الجمهورية إنّ حزب الله ليس مسؤولاً عن إطلاق الصواريخ. واليوم، اتّهم مسؤول كبير في حزب مسيحي ممثّل في الحكومة، حزب الله، بأنّه هو من أطلق الصواريخ». وسألت: «ما سرّ هذا التناقض الكامل حول ملفَّين مصيريَّين بين مكوّنات أساسية في السلطة الجديدة التي نشأت قبل شهرَين ونصف الشهر؟ هل هو سوء تنسيق؟ كلّا، بلا سوء رؤية؛ سوء رؤية في غياب المشروع، وسوء رؤية في انعدام القدرة على التنفيذ».
على مواقع التواصل، لجأ الناس يوم الجمعة إلى نشر لحظات الرعب التي عاشوها، وانتشرت المقاطع بشكل واسع كما كان يحصل سابقاً. وأثارت تعليقات من متطرّفين لبنانيّين على تغريدة أدرعي سخطاً واسعاً بين جمهور المقاومة كما سائر اللبنانيّين، لما كان فيها من احتفال بمعاناة لبنانيّين آخرين، وشكر له، بل ودعوات صريحة له من أجل إبادتهم، من دون أيّ اكتراث للمنطقة التي تعجّ بالمدارس وفي وقت ذروتها، وهي أساسًا تضمّ ناسًا من مختلف الانتماءات!
وتولّى «ناشطون» معروفون تابعون لحزب «القوّات اللبنانية» الترويج لسردية مفادها أنّ «هذه المرّة لن نستقبلكم في بيوتنا»، في إشارة إلى النازحين من الجنوب والبقاع والضاحية. وتعمّدوا استفزاز بعضهم للحصول على ردّة فعل تمكّن تصوير الأمر على أنّه «قلّة تقدير».
لكن يجب التنبّه أوّلاً إلى عدم الانجرار وراء محاولاتهم، وثانياً إلى أنّ هؤلاء لم يستقبلوا أحداً أساساً وجلّ عملهم يقع في التحريض والفتنة، فيما هناك آلاف اللبنانيّين ممّن فتحوا بيوتهم لأبناء بلدهم، حتّى من أنصار «القوّات». فمَن يتحدّثون بهذه اللهجة كاذبون لم يفتحوا بيوتهم يوماً.