صنعاء | تصاعدت حرب العملة بين صنعاء وعدن، ما ينذر بتفجّر الأوضاع عسكرياً، ويقوّض كل الجهود الإقليمية والدولية التي بُذلت خلال السنوات الماضية لإحلال السلام في اليمن. فبعد أن صعّد البنك المركزي في عدن الضغوط على البنوك التجارية والإسلامية العاملة في مناطق سيطرة صنعاء، وأعلن وقف التعامل بالعملة القديمة المتداولة في المناطق نفسها، وعد بنك صنعاء المواطنين والشركات في المحافظات الجنوبية بتسعير العملة المطبوعة من قبل الحكومة الموالية للتحالف السعودي - الإماراتي من دون غطاء نقدي، بـ3.5 ريالات جديدة لكل ريال قديم. وقال، في بيان، إنه سوف يستخدم الكتلة النقدية التي طُبعت من قبل بنك عدن وتسبّبت بتضخم كبير في الأسواق، والتي كان قد قام بسحبها مطلع عام 2020. ودفع هذا القرار، الأفراد والشركات في المحافظات الواقعة تحت سيطرة تلك الحكومة، إلى العزوف عن تلبية دعوة بنك عدن إلى إيداع العملة القديمة في البنوك مقابل تعويض بالريال من عملتها، بواقع ريال مقابل ريال، وهو ما اعتبره مصرفيون إجحافاً بحق المواطنين الجنوبيين الحائزين على العملة القديمة.كذلك، دفعت «حرب العملة»، صنعاء، إلى التلويح بخيار القوة للدفاع عن حق المواطنين الساكنين في نطاق سيطرتها. وقالت مصادر مطّلعة في العاصمة، لـ«الأخبار»، إنه لن يتم السماح بأي إضرار بالوضع المعيشي والإنساني لنحو 24 مليون نسمة، إذ إن قرار بنك عدن بإيقاف التعامل مع البنوك الأهلية في مناطق سيطرة «أنصار الله»، يهدف إلى إحداث تضخّم في الأسعار في تلك المناطق، والتسبّب بأزمة مدفوعات في البلاد، خاصة أن البنوك التجارية والإسلامية هي من تتولّى مهمة فتح الاعتمادات المستندية للتجار، وتقوم بتأمين واردات اليمن من الغذاء والدواء والوقود. ويعتمد اليمن في 90% من احتياجاته على الأسواق الخارجية؛ وبالتالي، فإن خطوة كتلك سوف تضاعف المعاناة الإنسانية في كل أرجائه، خصوصاً أن بنك عدن يحاول وضع شروط على بنوك صنعاء وربط أي موافقة على عملياتها الخارجية، وخاصة الاستيراد، به، عن طريق ما يسمى بـ«النظام الموحّد». وستكون لهذه المحاولة تداعيات سلبية على انسياب الحركة التجارية بين اليمن والخارج، ما سيؤدي إلى نقص حادّ في السلع التموينية في السوق المحلية، بحسب خبراء اقتصاد.
التصعيد الاقتصادي الأخير أثار مخاوف الأمم المتحدة من انهيار اتفاق وقف إطلاق النار


وكان بنك عدن المركزي، المعترف به دولياً، قد هدّد، الجمعة الماضي، بفرض عقوبات جديدة على حركة البنوك التجارية والإسلامية اليمنية وإيقاف نظام «سويفت» عليها. وطلب من البنوك الإقليمية والدولية وقف أي عمليات مالية معها، مخاطباً بشكل خاص البنوك السعودية التي تربطها علاقات واسعة بتلك اليمنية، حتى تمتثل الأخيرة لقراراته وتنقل مقراتها من صنعاء إلى عدن. وعلى إثر ذلك، تواردت أنباء عن قيام بنك الراجحي السعودي بوقف التعامل مع البنوك الموقوفة في صنعاء، تنفيذاً لطلب «مركزي» عدن.
وفي المقابل، يقلّل أستاذ الاقتصاد في جامعة صنعاء، إبراهيم شريم، في تصريح إلى «الأخبار»، من أهمية وقف خدمات شبكتي «موني غرام» و«ويسترن يونيون»، معتبراً أن التحويلات الخارجية للمغتربين، وكذلك تحويلات واردات المستثمرين، لن تتأثر بذلك، موضحاً أن «التحويلات التي تصل عبر الشبكتين ضئيلة ولا تكاد تُذكر، وهناك بدائل متعدّدة ووسائل أخرى يمكن استخدامها عوضاً عنهما». وتؤكد مصادر مالية، بدورها، لـ«الأخبار»، استمرار وصول الحوالات المالية إلى المغتربين من دون أي قيود حتى الآن، وتستبعد وجود أي مخاطر على تدفّق هذا النوع من الحوالات التي تعتمد عليها أكثر من 40% من الأسر اليمنية منذ انقطاع الرواتب عام 2016، وتبلغ سنوياً 4.3 مليارات دولار، وتُعد المصدر الرئيسي لمتحصّلات النقد الأجنبي في اليمن في الظرف الحالي، وتساهم في تغطية فاتورة الواردات من الخارج بنسبة 60%.
لكنّ مصدراً في مكتب الشؤون الاجتماعية في صنعاء يؤكد، لـ«الأخبار»، أن «استهداف البنوك من قبل الأطراف الموالية للتحالف يهدّد بوقف كلّ المساعدات الإنسانية، وخاصة المساعدات النقدية التي تقدّمها المنظمات الدولية والإنسانية للشرائح الأشد فقراً في مناطق سيطرة صنعاء»، ويحذّر من «التداعيات الكارثية التي سوف تترتّب على ما تبقّى من سبل العيش». وكان أثار التصعيد الاقتصادي الأخير مخاوف الأمم المتحدة من انهيار اتفاق وقف إطلاق النار في اليمن. وفي هذا الإطار، أكدت مصادر دبلوماسية، لـ«الأخبار»، وجود تحرّك عُماني لتهدئة الحرب الاقتصادية بين صنعاء وعدن، وتوقّعت إرساء هذه التهدئة خلال الأيام المقبلة.