تمرّ الذكرى الـ34 للوحدة بين شطرَي اليمن الشمالي والجنوبي، في 22 أيار 1990، فيما البلد يشهد تشرذماً بين مكوناته السياسية، التي يعمل بعضها، وعلى رأسها «المجلس الانتقالي الجنوبي»، على تحقيق حلم الانفصال، بدعم من الإمارات. على أن ثمة متغيّراً في المشهد هذا العام، متمثلاً في مشاركة صنعاء في المعركة القائمة حالياً في غزة، كجبهة مساندة، تمتدّ من المناطق الجنوبية لفلسطين المحتلة، وصولاً إلى البحرين العربي والأحمر والمحيط الهندي، مع توقّع أن تصل إلى البحر المتوسط. وتكمن أهمية المتغيّر المذكور في أن اليمن يواجه في هذه الحرب تحالفين غربيين منفصلين: الأول «حارس الازدهار» بقيادة أميركية - بريطانية، والثاني «أسبيدس» الأوروبي، وكلاهما فشلا في تحقيق الأهداف التي أُنشئا من أجلها، وعلى رأسها رفع الحصار البحري الجزئي عن الكيان الإسرائيلي.وكان قد أدى التدخل الغربي في الشأن الداخلي اليمني إلى تأجيج الصراع وإطالته قرابة عقد من الزمن. وخلافاً للمزاعم الأميركية حول السلام، وادعاء استمرار دعم العملية السياسية الشاملة باعتبارها أفضل وسيلة لتحقيق حلّ دائم للصراع، كما جاء في البيان الذي أصدره، أمس، وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، في مناسبة ذكرى الوحدة، معتبراً أن السلام يظلّ أولوية قصوى بالنسبة إلى بلاده، فإن واشنطن حالت دون توقيع اتفاق بين السعودية وحركة «أنصار الله» ينهي الحرب بين الطرفين، حين ضغطت على الجانب السعودي في الوقت الحاسم، مشترطة رفع الحصار الجزئي عن إسرائيل لتزكية الاتفاق، الأمر الذي رفضته صنعاء. ولئن نجحت التدخّلات الإقليمية والدولية في تحويل البلد إلى مناطق نفوذ لقوى الأمر الواقع، وخصوصاً في المحافظات التي تقع تحت سيطرة التحالف السعودي - الإماراتي، فإن حكومة الإنقاذ في صنعاء استطاعت إدارة مناطقها، والاستفادة من موقع اليمن الجغرافي المتميّز، ومن القدرات العسكرية المتوافرة لديها، في التصدّي للهيمنة الغربية والإقليمية، من دون أن يمنعها التقسيم الحاصل حالياً من تحقيق هدفها المتمثّل في حظر الملاحة الإسرائيلية.
أي عمل عسكري ضد صنعاء لا يمكن أن يتم إلا بتغطية الرياض وأبو ظبي اللتين ترفضان ذلك خشية تعرّضهما للقصف


في المقابل، فشل الغرب، سياسياً وعسكرياً، في التعامل مع تهديدات البحار التي تتعرّض لها أساطيله. والحقيقة أن هذه الدول، منفردة أو مجتمعة، لم تألُ جهداً في محاولة ردع اليمن ومنعه من تحقيق أهدافه. وكعادتها، لجأت إلى الوكلاء المحلّيين في الجنوب، في عملية توظيف مكشوفة لتأجيج الصراع مع صنعاء، وتشتيت جهد الأخيرة في جبهة المساندة، وهو ما عُقدت من أجله الكثير من الاجتماعات، وأُجري في إطاره عدد من عمليات الاستطلاع بالنار، للتأكد من مدى جهوزية «أنصار الله» التي تثبت، في كل مرة، أنها تأخذ في الحسبان السيناريوات كافة. غير أن المعضلة هنا، هي أن المكوّنات المحلية في مناطق سيطرة «التحالف»، مرتبطة، مالياً وسياسياً، بكل من السعودية والإمارات. وأي عمل عسكري تنوي القيام به، لا يمكن أن يتم إلا بتغطية منهما، وهذا ما ترفض الرياض وأبو ظبي القيام به إلى الآن، خشية ردود عسكرية يمنية تطال أراضيهما.
والمفارقة هنا، هي أنه بدلاً من أن تستفيد المكوّنات المحلية من الظرف الحالي، وتعمل على تحسين الظروف المعيشية للسكان الواقعين تحت سلطتها، والضغط على الأقل لتوفير الرواتب لموظفي الدولة من عائدات تصدير النفط اليمني، فإنها تعرض خدماتها على القوى الإقليمية والغربية بالمجان، في وقت حوّل فيه التراجع الجديد في قيمة الريال المتداول في المحافظات الجنوبية، والذي تجاوز سقف الـ1700 ريال للدولار، الوضع المالي إلى معضلة مستعصية لم تفلح مختلف الإجراءات التي اتّخذتها حكومة عدن في معالجتها أو التقليل من آثارها. ولا يتوقّف الأمر على انهيار العملة، بل تشهد محافظة عدن وبقية المحافظات الواقعة تحت سيطرة «التحالف»، انقطاعاً دائماً للكهرباء، يفاقم الأوضاع سوءاً.
وبينما تتعرّض حكومة أحمد بن مبارك ومن خلفها «المجلس الرئاسي» برئاسة رشاد العليمي، لضغوط وانتقادات وسخط شعبي، إلا أن بن مبارك اختصر المشكلة التي يعانيها اليمن بالقول إن الغرب لم يكن مقتنعاً بسردية الوكلاء والشركاء الإقليميين. وبشيء من الزهو، اعتبر أن سردية الحرب تغيّرت كثيراً، وقال في مقابلة مع جريدة «الشرق الأوسط»: «كثير مما كنّا نقوله وننبّه إليه، صاروا الآن هم (الغربيون) من يذكروننا به. وكثير من السرديات التي قامت عليها حتى الحلول الأخيرة، سقطت». ويمنّي بن مبارك نفسه بهذا التحوّل الغربي الذي من المهم أن يقود، بحسب رأيه، إلى «تحوّل إستراتيجي في طبيعة النظرة إلى الحوثيين، ليس فقط بوصفهم طرفاً عسكرياً أو اجتماعياً، لكن أيضاً بوصفهم تهديداً أيديولوجياً، وتأثير هذه الأيديولوجيا ليس على اليمن فحسب، وإنما على المنطقة والعالم».