يبدو أن الحرب اليمنية قلبت الموازين في العلاقة مع الجار السعودي. فللمفارقة وسخرية القدر، وبعدما ظلّت الرياض «سخية» على الساسة والمشائخ اليمنيين في الرشى المالية عن طريق ما عُرف بـ«اللجنة الخاصة»، ضَبطت المملكة حليفها اليمني الأول، علي محسن الأحمر، وهو يحاول شراء الضباط السعوديين العاملين في الملف اليمني، وفق ما تظهر برقية حصلت عليها «الأخبار». ضباط كانوا حتى الأمس، هم أو زملاؤهم، ينشطون في شراء ذمم المسؤولين اليمنيين. هذه اللعبة «الجريئة» التي أقدم عليها «جنرال الحروب العجوز» كما يُعرف، ليس معلوماً ما إذا كانت ستقتصر في حسابات الوصي السعودي على اعتبار الدوافع وراءها مجرد حالات «فساد»، خصوصاً أن البرقية حملت لهجة توبيخ قاسية، وذكّرت الأحمر بموقعه من السعودية، وبأن عليه التقيد بالأوامر.

وثيقة

البرقية المرسلة من وزارة الدفاع السعودية التي يتولاها ولي العهد محمد بن سلمان، إلى نائب الرئيس اليمني المستقيل عبد ربه منصور هادي، الجنرال علي محسن الأحمر، تتضمّن توبيخاً للأخير على خلفية اتهامات بتقديمه أموالاً لضباط سعوديين. تتهم البرقية، الممهورة بعبارة «سري للغاية»، والمرسلة باسم قائد العمليات المشتركة في الحرب على اليمن، بتاريخ 23 سبتمبر/ أيلول الماضي، الجنرالَ اليمني المخضرم وصاحب النفوذ الكبير في اليمن بتقديمه أموالاً للضباط السعوديين المتعاونين مع قواته، سواء على الحدود، أو في العاصمة السعودية الرياض.
وتعدّد الوثيقة، التي تحمل عنوان «بشأن تقديم الهبات والهدايا...»، حالتين ضبطت فيهما القوات السعودية الفريق الركن علي محسن الأحمر وهو يقدم أموالاً لضباط سعوديين. وفي التفاصيل، تورد البرقية أنه في الحالة الأولى، وأثناء تسليم الجانب السعودي (ضابط في القوات السعودية لم تشر البرقية إلى اسمه) مبلغ مليوني ريال سعودي (أكثر من نصف مليون دولار)، بتاريخ 9 سبتمبر/ أيلول الماضي، للجنرال الأحمر عن طريق مدير مكتبه، قام الأخير بإخراج مبلغ 100 ألف ريال (قرابة 26 ألف دولار) ووضعها في الحقيبة الخاصة بالضابط السعودي. وتتابع البرقية أنه وعند استفسار الضابط السعودي من مدير مكتب الأحمر عن سبب إعطائه المبلغ، أفاد بأنه «مقابل أتعاب الطريق».
وفي حالة ثانية، قام مندوب الجنرال الأحمر، علي سليمان، بتاريخ 18 سبتمبر/ أيلول الماضي، بالاتصال بالعميد السعودي فلاح بن محمد الشهراني، طالباً مقابلته، فاستجاب الأخير والتقى به في حي النخيل في الرياض، وسلّمه «هدية» من الأحمر، عبارة عن مبلغ 300 ألف ريال سعودي (حوالى 79 ألف دولار). ولا تشير الوثيقة إلى تفاصيل بشأن صفة الضابط الشهراني، إلا أن من المرجّح أن الشهراني هو نفسه الضابط الذي يعمل في الملف اليمني، وبرز اسمه أثناء تقلّده منصب القنصل في السفارة السعودية في صنعاء، حين كان برتبة عقيد، وتردّد أنه تعرض لمحاولة اغتيال وقتها.
وبعد استعراض الحالتين المذكورتين، وبلهجة ساخرة، تتوجه وزارة الدفاع السعودية للأحمر بالقول: «لا يخفى علينا الجود والكرم العربي المتأصل بكم وبالقبائل اليمنية، كما لا يخفى على فخامتكم اختلاف العادات والتقاليد لتقديم هذه الهبات والهدايا، وخصوصاً خلال الظروف الراهنة». وتنبّه البرقية الأحمر إلى «المحاذير في إعطاء مثل هذه المبالغ» للعسكريين السعوديين أثناء تأدية مهامهم، مشيرة إلى أن ما ذكر ليس حالتين يتيمتين، فقد «سبق أن تكرر بصفة مستمرة إعطاء مثل هذه المبالغ، وأبلغنا الكثيرُ منهم بذلك، علماً بأن جميع ما يتم صرفه من مبالغ لمساندة العمليات في الداخل اليمني». ويخلص التوبيخ السعودي للأحمر بإفادته بأن المبالغ قد تمت مصادرتها، «وتم تخصيصها لشهداء الواجب من الجيش والمقاومة»، والطلب من الجنرال اليمني عدم تقديم «أي مبالغ مالية لمنسوبي القوات المسلحة السعودية والتأكيد على المرتبطين بكم بالتقيد بذلك».