شهدت الجبهة الداخلية لليمن في الأسبوع الماضي توتراً سياسياً وأمنياً كاد يطيح التحالف القائم في صنعاء بين المكونات الرئيسة المشكّلة لحكومة «الإنقاذ»، وبالتحديد حركة «أنصار الله» و«المؤتمر الشعبي العام». وكانت أطراف داخلية وخارجية قد راهنت على إحداث تصدعات في الجبهة الداخلية، معوّلة على خرق الجمود السياسي وانسداد أفق الخيار العسكري. وقد لعبت دولة الإمارات دوراً بارزاً في تغذية التوتر الأخير في صنعاء.
وكان وزير الدولة للشؤون الخارجية الإماراتية قد قال في مقابلة مع صحيفة «ليف»، منتصف الشهر الجاري، إن هدف الإمارات هو دفع الرئيس الأسبق علي عبدالله صالح، بعيداً عن «دعم الحوثيين»، وتشجيع الانقسامات داخل حزبه («المؤتمر الشعبي العام»)، كما أكد أهمية التفريق «بين الحوثيين كتهديد استراتيجي، وصالح الذي هو في الأساس عنصر تخريبي ولا يمثل تهديداً استراتيجياً».
بقيت الجبهة الداخلية منذ بدء العدوان على اليمن هدفاً رئيساً لقوى «التحالف» التي عملت بكل جهد لاختراق تلك الجبهة بالوسائل المختلفة، فتولت السعودية العمل على شق «المؤتمر»، لكنها لم تستطع إحداث انشقاق أفقي في القاعدة التنظيمية أو الشرائح الاجتماعية والقبلية المؤيدة له، وإن استطاعت اختراقه عمودياً بانشقاق عدد لا يستهان به من القيادات العليا والنواب والوزراء السابقين وفرارهم إلى الرياض.

أدّى الاجتماع الأخير
في «المجلس السياسي
الأعلى» إلى إنهاء التوتر

كذلك سجلت حالات تذبذب في صفوف فئة أخرى من القيادات العليا والوسطى في الحزب، وسجلت الأجهزة الرسمية اليمنية، وتلك المحسوبة على «أنصار الله»، العديد من حالات التذبذب والازدواجية في صفوف القيادات المؤتمرية التي لا تزال في صنعاء وتوزع ولاءها بين صالح، وبين الارتباط بالسعودية، وهي الفئة التي يتهم صالح بأنه يؤمن لها الغطاء السياسي والتنظيمي، ويرجح أن هذه الفئة تعمل على توهين الجبهة الداخلية لانخراطها في ما سمي الطابور الخامس. لكن الخرق السعودي لقيادات مؤتمرية لم يحدث خللاً بنيوياً في الهيكل التنظيمي والقيادي للحزب.
من جهة أخرى، تولت الإمارات العمل الحثيث على الإيقاع بين «المؤتمر» و«أنصار الله»، وظلت تلك المحاولات من دون جدوى لفقدانها قوة دفع حقيقية واقتصارها على الجانب الإعلامي، ويرجع المطلعون فشل المحاولات الإماراتية إلى الموقف السعودي الحاد من الرئيس السابق ورفضها فتح قنوات مباشرة معه، أو الموافقة على ترميم ما انقطع وإعادة الدفء للعلاقات بين الجانبين.
وكادت الإمارات في الشهرين الأخيرين أن تنجح في الوقيعة بين «أنصار الله» و«المؤتمر»، إذ استخدمت قوة دفع حقيقية هي ما سرب عن مبادرة تولية اللواء أحمد (نجل صالح) رئاسة اليمن، مقابل إقصاء الحركة عن المشهد السياسي في صنعاء. المبادرة في حال حصولها كان من شأنها أن تنزل السعودية عن الشجرة وتخرجها من الرمال اليمنية بدعوى تحقيق الأهداف التي من أجلها شنت العدوان، وذلك بتسوية سياسية تعيد إنتاج سلطة جديدة على مقاسها، يختفي على أثرها كل من الرئيس المستقيل، عبد ربه منصور هادي، وعلي عبدالله صالح، عن المشهد، ليحل بدلاً منهما نجل الأخير اللواء أحمد.
سال لعاب العديد من المؤتمريين لتلك المبادرة، وأثارت شهيتهم لقيادة المسار السياسي في اليمن، فهيأوا المستوى الداخلي، وتحولوا من الوضوح في مقاربة العدوان الذي يتعرض له البلد، إلى الغموض وتوزيع المسؤوليات بين الداخل والخارج. وأظهرت المواقف أنهم وقعوا في الازدواجية. فلم يحسن مسؤولو «المؤتمر» العمل على إزالة الغموض وبعث الاطمئنان في نفوس شريكهم بالإعلان الرسمي الحاسم لرفض أي طرح يأتي من خارج الوفد المشترك المفوض من الطرفين بإجراء المفاوضات في إطار المسار السياسي.
في هذه الأجواء المشحونة، استمر التحريض الإماراتي الإعلامي، ومن المستويات السياسية العليا، في حملة مركزة للفرقة بين الطرفين. وقاد الحملة وزير الدولة للشؤون الخارجية الذي يوصف بأنه المتحدث الرسمي باسم النظام الحاكم في أبو ظبي، صابّاً الزيت على النار في تغريدات على «تويتر»، منها قوله: «التقارير الواردة من صنعاء تنبئ بانفجار خطير في العلاقة بين صالح والحوثيين»، واصفاً «أنصار الله» بالعقبة أمام الحل السياسي والمبادرات الإنسانية، وأن إخضاعهم «المؤتمر» هو استمرار للأزمة.
بعد ذلك، جاءت حادثة الصباحي في صنعاء التي قتل فيها أحد مسؤولي «المؤتمر» وثلاثة من عناصر «اللجان الشعبية» الموالية لـ«أنصار الله» لتزيد الصدع، وكاد الوضع الأمني أن ينفلت، وما يتبع هذا من انهيار التحالف والوقوع في فخ الرهانات الخليجية. لكن الحكمة اليمنية المعهودة فوّتت الفرصة على مراهني الداخل والخارج بإدراك الجميع خطورة استمرار التصدع على الجبهة الداخلية. فقد اجتمع الطرفان مساء الاثنين الماضي في «المجلس السياسي الأعلى» واتفقا على إنهاء التوترات التي نتجت من الفعاليات وما أعقبها، كما أبقيا اللقاءات مفتوحة بين قيادة المكونات لوضع الحلول، والمقترحات الإعلامية والسياسية، وتوحيد كل الجهود لمواجهة العدوان، وتوحيد الجبهة الداخلية ومنع شقها أو خلخلتها.