«أنت قيد الاعتقال لارتكابك جرائم حرب في اليمن»، بهذه العبارة استقبل الناشط البريطاني سام والتون، المتحدثَ باسم قوات تحالف العدوان على اليمن، أحمد عسيري، فور وصول الأخير إلى مقر المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية في العاصمة البريطانية، لندن، أول من أمس.
ورغم تدخل رجال الأمن وإخفاق محاولة الاعتقال، وهي خطوة رمزية تعكس التباعد بين المواطن والسلطة، لم يتوانَ الناشط في منظمة «الحملة ضد تجارة الأسلحة» البريطانية، عن محاولة اعتراض مستشار وزير الدفاع وملاحقته داخل المبنى. وأظهر مقطع فيديو، جرى تداوله على مواقع التواصل الاجتماعي، رمي عدد من الناشطين عسيري بالبيض، فيما ارتفعت الهتافات المعادية للنظام السعودي، التي اتهمته بقتل الأطفال في اليمن.
وكانت الوقفة الاحتجاجية، كسابقاتها منذ 2015، ستمر بلا تغطية إعلامية، لكنّ تعجرف السياسي القادم من مملكة اعتادت «شراء الصمت» دفعه إلى الرد على الناشطين في مجال حقوق الإنسان برفع إصبعه الوسطى، في حركة أسقطت القناع عن «حليف لندن»، وفتحت فجوة في جدار الحصار الإعلامي المفروض.
اجتاحت صور عسيري مواقع التواصل الاجتماعي، ومعها التقارير التي أعدتها المنظمة المناهضة لصفقات التسليح بين بريطانيا والسعودية عن جرائم الحرب في اليمن، وتصريحات الناشطين فيها.
ولا يتردد المتحدث باسم منظمة الحملة ضد تجارة الأسلحة، أندرو سميث، في مهاجمة السعودية «التي ترتكب المجازر وتجوّع الأطفال» في اليمن، وكذلك الدول المصنعة للأسلحة، وفي طليعتها بريطانيا، على خلفية صفقاتها مع «الأنظمة القمعية والدكتاتورية».
سميث قال لـ«الأخبار»، إن «يد الحكومة البريطانية ملطخة بالدماء، وهي شريكة الرياض في العدوان على اليمن»، واصفاً صفقات الأسلحة بين البلدين بـ«غير الشرعية واللاأخلاقية والمثيرة للاشمئزاز».
يشار إلى أنه في عام 2013، رحّب رئيس الوزراء البريطاني آنذاك ديفيد كاميرون، بتبني الأمم المتحدة معاهدة تجارة الأسلحة، التي وصفها بـ«المعاهدة التاريخية التي من شأنها إنقاذ الأرواح وتخفيف المعاناة الإنسانية الهائلة الناتجة من الصراع المسلح في جميع العالم». بعد ذلك بعامين، بدأت قوات «التحالف» قصف المحافظات اليمنية، في حملة جوية ذهب ضحيتها حتى الآن أكثر من عشرة آلاف يمني، بينهم 2568 طفلاً.
والآن، وفق «يونيسيف» يعاني أربعة من كل خمسة يمنيين انعدام الأمن الغذائي، كذلك يموت طفل واحد على الأقل كل عشر دقائق من أمراض يمكن الوقاية منها.

تحوّلت الوقفة الاحتجاجية إلى «اعتداء» ورشق البيض «محاولة اغتيال»

أيضاً، أكدت التقارير الصحافية موافقة الحكومة البريطانية، منذ بدء العدوان، على تراخيص تزيد قيمتها على 3,3 مليارات جنيه إسترليني لتصدير طائرات وأسلحة وذخائر إلى السعودية. وتسعى «الحملة ضد تجارة الأسلحة» إلى استصدار أمر من المحكمة العليا في لندن لوقف تراخيص تصدير الأسلحة، ونفذت سلسلة من الخطوات، كان آخرها تقديم طعن قضائي في شباط الماضي.
سميث شدد على أن «السعودية سبّبت كارثة إنسانية في اليمن، فالحكومة البريطانية تتجاهل كل الأدلة التي قدمتها المنظمات الحقوقية حول استخدام السعودية أسلحة بريطانية الصنع، ومن ضمنها قنابل عنقودية محرمة دولياً، في ارتكاب جرائم ضد المدنيين»، داعياً السياسيين إلى «وضع نفاقهم جانباً والتوقف عن بيع الأسلحة الفتاكة للسعودية».
وبينما تؤكد المنظمات الحقوقية وتقارير الأمم المتحدة شن «التحالف» هجمات «قد تصل إلى حد جرائم حرب»، تنفي السعودية هذه الاتهامات، بل زعم عسيري أول من أمس أن الحملة الجوية «تستهدف المتمردين الذين يهددون أمن حدودها (المملكة).
لكن بياناً أصدرته المنظمة، أمس، قال إن السعودية «خبيرة في الكذب والتضليل الإعلامي»، معيداً إلى الأذهان التصريحات التي نفى فيها عسيري استخدام قنابل عنقودية، قبل أن تعود وتعترف الأخيرة بأنها استخدمتها بالفعل.
وطاولت حملات التضليل الإعلامي الحدث، فتحولت الوقفة الاحتجاجية في لندن إلى «اعتداء»، ورشق البيض إلى «محاولة اغتيال»، والمتحدث باسم العدوان إلى ضحية. أما الناشط البريطاني، فتحول إلى «عميل إيراني»، وانهال عليه سيل من الشتائم والتهديدات من «الجيش الإلكتروني السعودي»، الذي اجتاح صفحاته الشخصية.
تعليقاً على تلك التغريدات، أبدى والتون استغرابه من الإعلام السعودي الذي وصف الناشطين بـ«بلاطجة إيرانيين»، وقال ساخراً: «أود أن أشكر المتصيدين السعوديين الذين أسهموا من دون قصد، في ترويج الاحتجاج»، آملاً أن يساعد ذلك في وقف الحرب على اليمن.
وأضاف في تصريحات: «عسيري يمثل نظاماً قتل آلاف الأشخاص في اليمن وأظهر ازدراءً كاملاً للقانون الدولي. لا يجب الترحيب به ومعاملته كشخصية بارزة… بل يجب اعتقاله والتحقيق معه في جرائم حرب».




البريطانيون «يجهلون» ما يحدث في اليمن

أظهر استطلاع للرأي نشرته صحيفة «ذا إندبندنت» البريطانية، أنّ أكثر من نصف الشعب البريطاني، لا يعلمون أي شيء عن الحرب في اليمن. ووفق الاستطلاع، فإن «49 في المئة من الشعب لم يذكروا اسم اليمن عند سؤالهم عن الدول التي تشهد حالياً نزاعاً مسلحاً... في المقابل، ذكر 84 في المئة سوريا».
وهذه النتائج، التي وصفتها المنظمات الحقوقية بـ«المخيبة»، متوقعة في ظل التعتيم الإعلامي والصمت الدولي عن ضحايا الصراع في اليمن، والانتهاكات الإنسانية التي يرتكبها تحالف العدوان السعودي. الجدير بالذكر أن الاستطلاع جاء تزامناً مع الذكرى الثانية للعدوان، وبعد أيام من احتضان العاصمة البريطانية، لندن، اجتماع الرباعية الدولية الخاصة باليمن (الولايات المتحدة، وبريطانيا، والسعودية، والإمارات العربية المتحدة، بالإضافة إلى سلطنة عُمان)، لمناقشة «واجبات الأمم المتحدة، والوضع الإنساني، وسبل إيقاف الحرب، وعملية السلام في اليمن».