في مثل هذا اليوم قبل عام، لم تنم الأرجنتين. كانت الأهازيج تغمر شوارع بوينس آيرس احتفالاً بالنجمة المونديالية الثالثة، التي انتزعها «راقصو التانغو» في النهائي أمام فرنسا لأجل ميسي، ولأجل مارادونا، ولأجل الأرجنتين، كل الأرجنتين.
هناك في لوسيل، رفعَ البرغوث الأرجنتيني ليونيل ميسي كأس العالم مرتدياً «البشت» العربي، في لقطةٍ انتقدها الإعلام الأوروبي والأميركي.

ومنذ الإعلان عن فوز الدوحة بحق تنظيم المونديال، صوّب الإعلام الغربي أقلامه على قطر، بدءاً باتهامات رشاوى، مروراً بعدم ملاءمة حجم وطقس البلد «الحديث التأسيس»، والذي ينتج «الغاز حصراً»، بالحدث المنتظر كل 4 سنوات. تصاعدت الاتهامات مع توالي السنوات، ووصلت إلى أوجها عند اتهام قطر بانتهاك حقوق الإنسان، خاصةً في ما يتعلق بحقوق العمّال الذين جهّزوا البنى التحتية «للمونديال القطري»، وتضييق الدوحة على المثليين كما المشروبات الكحولية أثناء سير البطولة.

ولأول مرة في التاريخ تمّ تغيير موعد البطولة من الصيف إلى الشتاء، وذلك لضمان تأمين مناخ ملائم بالنسبة إلى اللاعبين والزوّار، كما فتحت الدوحة خزائنها لبناء بنى تحتية جديرة بحجم الحدث، قادرة على احتواء الزوار وتسيير الأمور اللوجستية دون عوائق. عليه، صرفت قطر قرابة الـ220 مليار دولار (كما هو شائع في الوسط الرياضي)، كأغلى نفقات تجهيزية لمسابقة رياضية في التاريخ، وهو ما انتقده الإعلام الغربي، مصوّباً أقلامه على الظروف الصعبة التي عاشها العمّال قبل وأثناء وبعد المونديال، إن كان يتعلّق بسوء نظام «الكفالة»، أو الأجر المنخفض، أو مقتل عدد من العمال نتيجة المصاعب المرفقة بالأشغال.

المادّة الأخيرة كانت الأبرز والأكثر جدلاً بين قطر ووسائل الإعلام الغربية. تبعاً للأخيرة، تُوفّي نحو 6500 عامل خلال تنفيذ المشاريع المرتبطة بالبطولة، فيما قدّرت مصادر قطرية وفاة ما بين 400 و500 عامل لأسبابٍ مختلفة، ولم تعترف اللجنة العليا إلا بثلاث حالات وفاة مرتبطة مباشرةً ببناء المنشآت.
نشرت «Forbes» تقريراً أمس الإثنين تحدّثت فيه عن القضايا المتعلقة بالعمّال المتواجدين في قطر


سجالٌ بين الطرفين استمر رغم مرور عام على انتهاء البطولة. ففي الشهر الماضي، عادت الشبكة التلفزيونية الرياضية «ESPN» إلى الدوحة لمحاولة تحديد «إرث كأس العالم في قطر» كما زعمت، تزامناً مع مرور عام على موعد انطلاق البطولة. تحدّثت الشبكة لمنظمات وعمال وفاعلين مختلفين، وبحسب تقريرها، رفض
الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) طلبات ESPN المتعددة لإجراء مقابلة مع رئيس الاتحاد جياني إنفانتينو، الذي «استشرس» في الدفاع عن قطر سابقاً خلال كأس العالم مندّداً بـ«تاريخ الفظائع في أوروبا منذ 3000 عام». وبحسب إنفانتينو، يستوجب هذا التاريخ المخزي «الاعتذار في جميع أنحاء العالم للثلاثة آلاف عام المقبلة قبل إعطاء دروس أخلاقية للناس».

من جهتها، أكدت مديرة المبادرات العالمية في منظمة «هيومن رايتس ووتش» الدولية غير الحكومية، مينكي ووردن، لشبكة ESPN أن البطولة كانت «الأعلى ربحاً بالنسبة إلى الفيفا والحدث الأكثر دموية في تاريخ الرياضة العالمية».

ورغم إصلاحات العمل التي تم تطبيقها من أجل كأس العالم، تحدّثت «ESPN» عن استمرار تعرّض العديد من العمال المهاجرين إلى قطر لمعاملة سيئة. وعلى نسقٍ مشابه، نشرت «Forbes» تقريراً يوم أمس الإثنين تحدّثت فيه عن القضايا المتعلقة بالعمّال المتواجدين في قطر، والمرتبطين بتجهيزات الملاعب لكأس العالم سابقاً كما الأنشطة التحضيرية لكأس آسيا المقبلة. وذكر التقرير ظروف العمل الشاقة كما سوء تجهيز مخيمات المنامة، متهماً الفيفا بـ«عدم الاهتمام».

ونقلت المجلة شكوى لعامل كيني في قطر يُدعى محمد، 36 عاماً، يقول فيها إن راتبه «انخفض بعد كأس العالم» وإنه لا يستطيع تغيير وظيفته. ثم أشار إلى وجود خيارين فقط: «يمكنك قبول ذلك أو يمكنك أن تقول لا، ولكن بعد ذلك لن تكون لديك وظيفة بعد الآن. بعد كأس العالم، كانت الفرص أقل ولا يمكنك الانتقال إلى صاحب عمل آخر. إذا قمت بذلك، فإن صاحب العمل الحالي سوف يتقاضى مني حوالي 1200 دولار، وهذا تقريباً كل المال الذي سأحصل عليه بعد خمس سنوات من العمل في الشركة».

هذه التقارير وغيرها انتشرت بكثرة أمس الإثنين، في ذكرى مرور عام على نهائي كأس العالم، ومن المرجّح أن تستمر عند استضافة قطر لبطولة كأس آسيا في الشهر المقبل. تجدر الإشارة إلى أن قطر، ومن خلفها الفيفا، مستمران في رفض الادّعاءات، مع اتهام الغرب بالعنصرية والنظرة الدونية.