أحدثت التحقيقات التي نشرتها وسائل إعلام غربية عدة، قبل يومين، حول ما سمّته "أوراق باناما" ضجّة كبيرة بعدما كشفت عن تورط زعماء وسياسيين ومشاهير حول العالم بالتهرّب الضريبي، فيما لم يُكشَف عن الوثائق الأصلية بعد.
وبينما انشغلت مختلف وسائل الإعلام بتناقل ما كشفت عنه التحقيقات، رأى البعض أن غياب أسماء المسؤولين الأميركيين، ورجال الأعمال الكبار، وأغلب الشخصيات السياسية والاقتصادية الغربية البارزة من التحقيقات أمر مثير للريبة، خاصة أن المؤسسات التي حصلت على التسريبات وأشرفت على التحقيقات، تُعَدّ "وسائل إعلام الشركات والسلطة". حتى إنّ مراقبين اعتبروا أن تحقيقات "أوراق باناما" قد تكون بمثابة "تهديد رأس المال الأميركي للدول، وللشركات الواقعة في بلاد تعاني التهرّب من دفع الضرائب، على أنه إذا لم تحل هذه المشكلة فستهدد بالإفلاس"، ما قد ينتج منه أزمة اقتصادية عالمية.
من جهته، تساءل الديبلوماسي البريطاني السابق، كرايغ موراي، في مقالةٍ نشرها على تدوينته، عن سبب التركيز على روسيا، موضحاً أن "الثروة الروسية لا تشكل إلا جزءاً ضئيلاً من المال المخفي بمساعدة موساك فونسيكا"، أي المكتب الذي كان يعمل في باناما على إنشاء شركات "أوفشور" في دول تُعَدّ ملاذاً ضريبياً، وذلك بهدف التهرب من دفع الضرائب أو لتبييض أموال. وكتعريف، فإنّ ما يوصف بشركة "أوفشور"، تُعَدّ شركة مسجلة في بلد لا يكون المالك مقيماً فيه. لكن بخلاف فروع المؤسسات الدولية، لا تمارس شركات "الأوفشور" أي نشاط اقتصادي في البلد الذي تتخذه مقراً لها.
وفي خلال اليومين الماضيين، استندت التحقيقات في الصحافة العالمية إلى التسريبات التي كانت قد حازتها صحيفة "تسود دويتشه تسايتونغ" الألمانية، ووزعتها على صحافيين لفرزها في عملية أدارها "الاتحاد الدولي للصحافيين الاستقصائيين"، بالتعاون مع وسائل إعلامية غربية عديدة كشبكة "بي بي سي" وصحيفة "ذا غارديان" البريطانية. والتسريبات، وفق "تسود دويتشه تسايتونغ"، قدمها مصدر مجهول في مكتب "موساك فونسيكا" للمحاماة.
وفي سياق شرح الصحيفة الألمانية للآلية التي استُخدمت لفرز الوثائق، يتبيّن أن البحث الأساسي كان حول أسماء مرتبطة بدول "تخرق عقوبات الأمم المتحدة"، الأمر الذي رأى كريغ موراي أنه "يتناسب تماماً مع أجندة السياسات الغربية". وأشار إلى أنه لم يأت في التحقيقات ذكر "لأيًّ من الشركات الغربية الكبرى ولا أثرياء طبقة الـ1% (في العالم)، وهم أهم الزبائن".
وتابع موراي قائلاً: "ماذا تتوقعون، والتسريبات تدار من قبل الاتحاد الدولي للصحافيين الاستقصائيين، الذي يموّله أمثال: فورد فوندايشن، وكارنيغي، وروكافيلر فاميلي فند، وغيرها... لا تتوقعوا كشفاً حقيقياً عن رأس المال الغربي، إذ إنّ الأسرار القذرة للشركات الغربية ستبقى مُخفاة". ومن الجدير بالذكر أن صحيفة "ذا غارديان" أكدت أن الكثير من التسريبات ستبقى سريّة ولن تنشر.
وتساءل موراي: "ماذا لو أقيمت بحوث في معلومات موساك فونسيكا عن أسماء مالكي المؤسسات الإعلامية التي قامت بالتحقيقات؟ أو أسماء الشركات الداخلة في البورصة الغربية؟ ماذا سنجد؟".
وفي السياق نفسه، رأى زعيم "حزب العمّال" البريطاني، جيريمي كوربين، أنّ "أوراق باناما" كشفت عن "التهرّب الضريبي على مستوى الشركات"، مشدداً على أنه "في حال الضرورة، يجب على الحكومة البريطانية أن تفرض على الحكومات في مناطق كجزر كايمان والجزر البريطانية العذراء ملاحقة المتهربين من دفع الضرائب".
وفتحت عدة دول تحقيقات في عمليات تبييض الأموال والتهرب من الضرائب، وأدت في ايسلندا إلى استقالة رئيس الوزراء، ديفيد سيغموندور غونلوغسون، إثر تظاهرات طالبته بذلك بعدما كشفت التحقيقات أنه وزوجته امتلكا شركة "أوفشور" فيها ملايين الدولارات.
أما في موسكو، فجاء الرد شديداً مستهدفاً الولايات المتحدة، إذ أعلن الكرملين أن "التحقيق أجراه عناصر سابقون في وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية، ومسؤولون سابقون في وزارة الخارجية".
(الأخبار، أ ف ب)