شهدت القارة الأوروبية آخر موجات النزوح السكاني الكبيرة في خلال الحرب العالمية الثانية، والسنوات التي تلتها مباشرة حتى بداية الخمسينيات. وإذا كانت حركات السكان خلال فترة الحرب مرتبطة بالعمليات العسكرية وفرار السكان من الأعمال الحربية، كما في فرنسا مثلاً، فموجات النزوح التي تلتها واستمرت بوتيرة متفاوتة إلى بداية الخمسينيات، كانت نتيجة سياسات بعض دول أوروبا الشرقية والوسطى بـ "تطهير" أراضيها من العناصر الديموغرافية غير المرغوب فيها، كما حصل في أوكرانيا وبولونيا، أو طرد نحو مليونيي ألماني من الدول المجاورة للرايخ المنهار.
كان التطهير العرقي، قتلاً وتهجيراً، الذي مارسه عدد من هذه الدول السبب الأساسي وراء تأخر تبني معاهدة الأمم المتحدة المتعلقة بوضع اللاجئين حتى سنة 1951 (28 تموز تحديداً)، أي بعد انتهاء أعمال التطهير. جاءت هذه المعاهدة، كنص قانوني، نتيجةً للتجربة الأوروبية في خلال فترة الحرب العالمية الثانية، وشكلت انعكاساً أولاً وأخيراً لمصالح الدول الأساسية التي وقعتها. إذ إنها تحمل تعريفاً لصفة اللاجئ، من دون التطرق إلى حق اللجوء، كحق يستطيع الشخص ممارسته قانوناً، ويكون ملزماً للدولة أو للدول الموقعة، بشروط معينة. جاء التعريف إذاً فردياً ويحدّ من أمرين: محاسبة بعض الدول على ما ارتكبته في فترات ماضية، خاصة في الثلاثينيات، والحدّ مستقبلاً من خطر إلزام أي دولة باستقبال أعداد كبيرة من اللاجئين، لكون تعريف اللاجئ تعريفاً فردياً، مرتبطاً بوضعه الذي تقوِّمه فردياً السلطات الوطنية لكل دولة معنية، لا مرتبطاً بحق اللجوء كتعريف عام. وبشكل خاص جاءت المعاهدة بعد انتهاء موجات التحرك الديموغرافي في أوروبا عملياً.
أما منذ خمسينيات القرن الماضي، فقد شهد العالم حركات نزوح كثيرة وبأعداد ضخمة في بعض الأحيان، ابتداءً من تهجير الفلسطينيين على دفعتين في 1948 و1967، (نحو 4.766.670 لاجئاً)، إلى موجات النزوح الحالية من سوريا إلى العراق وأفغانستان وغيرها من الدول، مروراً بموجات نزوح كبيرة في أفريقيا أو إيران وباكستان، وسوريا مع المهجرين العراقيين في العقد الأخير. تتفاوت أسباب هذا النزوح ــ بالمعنى المادي للكلمة ــ بين الأسباب الأمنية بالمعنى الواسع، إلى انهيار مقومات الحياة الأساسية.
لكن الطابع العام المشترك بين كل هذه الموجات منذ نصف قرن، هو الحصة الشحيحة التي تحملت القارة الأوروبية وزرها لجهة أعداد اللاجئين الذين استقبلتهم بلدانها، بالرغم من دور سياسي كبير لها في عدد من الأزمات والحروب التي سبّبت تهجيرهم.
بالمحصلة، تحولت اتفاقية اللاجئين، ومفوضية الأمم المتحدة معها، إلى أداتين للضغط على البلدان التي تستقبل لاجئين، بهدف احتواء حركة السكان باتجاه الدول الغنية التي قد يتوجهون إليها. والنموذج اللبناني خير دليل على صلف القارة الأوروبية التي ضاق سكانها الذين يفوق عددهم 500 مليون، بمليون ونيف من الهاربين من أوضاع مأسوية في كثير من الأحيان. لعلّ تركيا البلد الوحيد الذي له دراية بمخاطبة الأوروبيين، والردّ على الوقاحة بالابتزاز، بدل العمل في حراسة الحدود عندهم.