طهران | في خضمّ المنافسة المحتدمة بين المرشحَيْن النهائيَّيْن لجولة الإعادة في الانتخابات الرئاسية الإيرانية (الرابعة عشرة)، تواجَه مسعود بزشكيان وسعيد جليلي، في مناظرتَيْن تلفزيونيتَيْن، قدّما خلالهما رؤاهما ومواقفهما من القضايا الداخلية والخارجية. وبدت هاتان المناظرتان، اللتان أُجريتا ليلتَي الإثنين والثلاثاء، وبُثّتا مباشرةً عبر التلفزيون، معبّرة عن الفجوة بين التيارَيْن السياسيَّيْن الرئيسَيْن في إيران، أي الأصولي والإصلاحي، فضلاً عن أنهما أظهرتا وجهات نظر الرجلَين، وحلولهما للمشكلات وكذلك أولوياتهما.
مواجهة بين رؤيتين للسياسة الخارجية
مثّلت القضايا المتعلّقة بالسياسة الخارجية، وعلى وجه التحديد مصير الاتفاق النووي، المحور الرئيس للمناظرة الأولى. وأكّد بزشكيان، المدعوم من التيارَيْن الإصلاحي والمعتدل، أنه في صدد رفع العقوبات وتوسيع علاقات الجمهورية الإسلامية مع الخارج، مشيراً إلى ضرورة ترميم العلاقة بين الحكومة والشعب و»التماسك الوطني»، ومتّهماً منافسه بأنه لا يؤمن بالمحادثات، وسيوظف مجموعة صغيرة من المقرّبين منه في السلطة.
في المقابل، قال جليلي، المحسوب على الجناح الراديكالي للتيار الأصولي، إنه ينبغي عدم ربط مجمل شؤون البلاد بالمحادثات الخارجية، ولا يجب اقتصار العلاقات الخارجية على العلاقة مع الولايات المتحدة وباقي القوى. وتعقيباً على بعض وجهات النظر التي عبّر عنها جليلي، سأله بزشكيان: «إذا فزت بالسلطة، ماذا سيكون مصير الاتفاق النووي وانضمام إيران إلى مجموعة العمل المالي (FATF)»، فأجابه الأول: «لا يجب ربط مصير إيران بالاتفاق النووي»، لافتاً إلى أن «وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، تطرّق بدوره إلى ازدياد مبيعات النفط الإيراني». وهنا، قاطعه بزشكيان، موجّهاً إليه السؤال بعد الآخر: «بأيّ سعر سيباع النفط؟»؛ وإذ لم يُعط جليلي إجابة واضحة، فهو قال إن مبيعات النفط تتم على غرار ما تفعله سائر الدول. ثم تساءل بزشكيان أنه «إذا كان يتم بيع النفط ببساطة بالأسعار العالمية، فلماذا لم يتحسّن الوضع الاقتصادي إذاً؟»، متهماً جليلي بأنه لا يؤمن بالمحادثات، ويرى أن العقوبات هي «نمط حياة» يجب التعوّد عليه.

مواجهة بين مقاربات معالجة الأزمة الاقتصادية
كانت المناظرة الثانية بين بزشكيان وجليلي أكثر سخونة من مجمل المناظرات التلفزيونية السبع التي شارك فيها مرشحو الدورة الحالية للانتخابات الرئاسية الإيرانية. وقاطع كلا المرشحَيْن مراراً وتكراراً أحدهما الآخر، وشكّك كل منهما بنبرة حادّة، وأحياناً ساخرة، في جدارة وكفاءة الطرف الآخر لتولّي الرئاسة. واعتبر بزشكيان أن المجموعة التي تُحيط بسعيد جليلي أو ما يُسمّى «حكومة الظل»، «تتألف من الأشخاص الذين هاجموا السفارتَيْن السعودية والبريطانية في طهران»، مشكّكاً في أن يكون لدى خصمه خطة عمل، بينما نعت المرشح الأصولي، منافسه بأنه «تتمّة للرؤساء الثلاثة السابقين (هاشمي رفسنجاني ومحمد خاتمي وحسن روحاني)»، مشيراً المرة تلو الأخرى إلى تعاونه مع الوجوه التي عملت في تلك الإدارات.
وشكّل الاقتصاد، الموضوع الرئيس للمناظرة الثانية، على رغم أن نقاشات واسعة دارت هنا أيضاً بين المرشحَيْن الاثنيْن حول قضايا السياسة الخارجية، خاصة في ضوء أثر العقوبات على الاقتصاد الإيراني. وحول إجراء محادثات مع الولايات المتحدة، قال بزشكيان إنه يجب خوض المفاوضات بخيارات متنوعة، متسائلاً: «هل من المصلحة أن تبقى العقوبات مفروضة علينا؟». ورداً على سؤال لميسّر المناظرة، امتنع المرشح الإصلاحي عن تقديم وعود برفع جميع العقوبات، بيد أنه قال إن النظرة الرئيسة مهمّة: «هل نريد تسوية مشاكلنا مع العالم أم لا؟».
قال بزشكيان إنه في صدد رفع العقوبات وتوسيع علاقات الجمهورية الإسلامية مع الخارج


وسأل مقدّم المناظرة، جليلي عدة مرّات عمّا سيفعله لرفع العقوبات، فردّ الأخير قائلاً إن إيران هي «المُطالِب والمُدَّعي» في ما يخص الاتفاق النووي والموضوعات المماثلة، ويجب أن تستوفي حقها بفاعلية». وأشار إلى الزيارات الخارجية للرئيس الراحل إبراهيم رئيسي، موجّهاًَ انتقادات إلى روحاني «لأنه لم يسافر ولو لمرّة واحدة إلى أفريقيا خلال السنوات الثماني من ولايتيْه الرئاسيتَيْن». كذلك، دافع المرشح الأصولي عن أداء إدارة رئيسي في مجال احتواء التضخّم، قائلاً إنه وصل في نهاية إدارة روحاني إلى 60%، لكن وبعد ثلاث سنوات من تولّي إدارة الرئيس الراحل، تراجع هذا الرقم إلى 40%.
ومن جانب آخر، قال بزشكيان إنه بمعزل عن أيّ أرقام وإحصاءات يقدّمها جليلي وأنصاره، فإن الوضع الاقتصادي للناس ازداد سوءاً في ظلّ إدارة رئيسي، وإن أسعار بعض المواد الغذائية ازدادت حتى 8 أضعاف. ودعا الناخبين إلى الإدلاء بأصواتهم لمصلحة جليلي إن لم يعانوا من تضخّم كبير خلال الإدارة السابقة. وقال بزشكيان إنه لا يقدّم وعوداً طنانة وغير قابلة للتنفيذ، لكنه يتعهّد بالإفادة من أصحاب الخبرة والتخصّص في الاقتصاد، وسيجعل من الممكن استئناف العلاقات الدولية لإيران. واعتبر «الوضع الحالي غير العادل» خطيراً، مشيراً إلى نسبة المشاركة الجماهيرية المتدنية، مضيفاً أن «60% من الناس، ليسوا راضين عن أيّ أحد»، وأن «الرئيس المقبل يحظى بدعم 20% فقط من الشعب».
من جهته، قال جليلي إن «استقطاب العملة الأجنبية» يجب أن يشكّل هدفاً رئيساً بالنسبة إلى جميع الأجهزة في البلاد، فيما يجب على «الحكومة أن تضغط على نفسها»، وأن تعمل على إقرار الانضباط المالي. كما دعا إلى تخصيص الدعم الاقتصادي للشرائح الأقل دخلاً. وفي ختام المناظرة، تجمّع أنصار وموالو بزشكيان وجليلي أمام مبنى هيئة الإذاعة والتلفزيون الإيراني، لاستقبال المرشحَيْن. ومع انتهاء فترة الدعاية الانتخابية أمس، تدخل إيران اليوم الخميس مرحلة «الصمت الانتخابي»، لتُجرى غداً الجمعة، جولة الإعادة من أجل انتخاب الرئيس التاسع للجمهورية الإسلامية.