لا تزال تداعيات تصدّر اليمين المتطرف نتائج الجولة الأولى من الانتخابات التشريعية الفرنسية المبكرة حديث الشارع الفرنسي. ومع الصاعقة التي أصابت معسكر الرئيس الفرنسي الحالي إيمانويل ماكرون الذي حلّ ثالثاً وحصل على 20.5 إلى 21.5% من الأصوات، خرج الأخير قبل أيام وحذّر من «حرب أهلية»، داعياً إلى تشكيل تحالف واسع للدورة الثانية، يكون ديمقراطياً وجمهورياً بوضوح، لقطع طريق اليمين المتطرف إلى السلطة. وعلى الوتر نفسه، عزف رئيس الحكومة الفرنسية غابرييل أتال الذي ناشد الفرنسيين عدم إعطاء اليمين المتطرف «ولو صوتاً واحداً» في الجولة الثانية التي ستُجرى الأحد المقبل.
وهاجمت صحيفة «لوموند» اليسارية في افتتاحيّتها من أسمتهم «ورثة تاريخ سياسي طويل من معاداة الجمهورية»، داعيةً إلى «القيام بمراجعة جوهرية لتسلسل الأولويات، وفي أعلى مراتبها يأتي الدفاع عن المبادئ الموروثة من الثورة الفرنسية». وأشارت الصحيفة إلى «خطط الحزب الوطني (اليمين المتطرف) للتمييز ضدّ المواطنين من مزدوجي الجنسية، وإلغاء الحق في الجنسية للأشخاص المولودين في فرنسا». ورأت الصحيفة أن «منع مزدوجي الجنسية من تولّي بعض الوظائف الحكومية يُحيي هوس اليمين المتطرف القديم بـ(الفرنسيين الزائفين)، والذي أدى في القِدم إلى تأجيج الكراهية ضدّ اليهود بعد وصفهم بأنهم (غير قابلين للاندماج)، وضغط من أجل اتخاذ تدابير لنزع جنسيتهم».

وفقاً لتقديرات نقابة «سي أف دي تي»، فإن عدد مزدوجي الجنسية في فرنسا يصل إلى نحو 3.3 ملايين شخص حسب تقديرات نقابة «سي أف دي تي». وينظر اليمين المتطرف إلى هؤلاء، على ما يوضح الصحافي تمام نور الدين، «بكثير من الشك، ولا سيما ما يتعلق بالوفاء للدولة الفرنسية، لأنهم يعتبرون أن الولاء سيكون حتماً لجنسيتهم الأصلية وليس للجنسية الثانية أي الفرنسية». وفي حديث لـ«الأخبار»، رأى نور الدين أن «ما يرشح عن اليمين المتطرف من تصاريح حتى الآن، ولا سيما تلك المتعلقة بالعمل أو الإجراءات المنوي اتخاذها ضدّ هؤلاء، غير واضح، فمصطلح (الوظائف الحساسة) مطاط جداً، ومن غير المعروف نوع الوظائف التي ينوون منع مزدوجي الجنسية من تقلّدها».
معظم المتحدّرين من الشمال الأفريقي لا ينتخبون اليمين المتطرف بينما معظم اللبنانيين يصوّتون له


العرب والمسلمون يهربون من فرنسا
في الفترة الماضية، نُشرت دراسة فرنسية بعنوان «فرنسا، تحبها لكنك ترحل عنها»، تُفيد بأن «باريس يغادرها مزيد من الفرنسيين المسلمين، الذين وصلوا إلى فرنسا بعد فترة الاستعمار وهم في الغالب يحملون شهادات ومؤهّلات عالية، للإقامة في بريطانيا وكندا والولايات المتحدة والإمارات، أو في الدول المغاربية، نظراً إلى التمييز الذي يتعرّضون له». وكشفت الدراسة التي تضمنت مقابلات مع 1070 شخصاً أن «الفرنسيين المسلمين سواء كانوا ملتزمين دينياً أو لا، يكافحون للعثور على مكان لهم في فرنسا على رغم تأهيلهم الجامعي العالي»، مشيرةً إلى أن «هؤلاء هم أيضاً ضحايا للتمييز بسبب أسمائهم أو مظهرهم أو دينهم». ومع احتمال صعود اليمين المتطرف واقترابه من السلطة، حذّرت منظمات تونسية وأخرى مغربية من خطاب اليمين المتطرف، علماً أن عدد الجالية التونسية في فرنسا يبلغ حوالى مليون و300 ألف.

ووفقاً لنور الدين، هناك «انقسام بين من يحمل الجنسية الفرنسية، فمعظم المتحدّرين من الشمال الأفريقي لا ينتخبون اليمين المتطرف، بينما معظم اللبنانيين يصوّتون لليمين المتطرف وأقصى اليمين المتطرف». ورجّح نور الدين أن يكون الأكثر تأثراً في حال تسلّم اليمين المتطرف مقاليد الحكم «الجزائر، فهو سيعاود مراجعة معاهدات كثيرة أهمها (إيفيان) وقد يلغي الكثير من المميزات للجزائريين كبطاقة الإقامة الجزائرية المعروفة بالفرنسية بـ(carte de resident Algerian). ومن ضمن مشاريعه الوصول إلى (صفر هجرة)». ولفت نور الدين إلى أن أهم خطوة في مشروع اليمين المتطرف وقف «جمع الشمل» أو الـ«regroupement familial»، هذه الخطوة «تُعدّ بمثابة رصاصة لفرنسا التي تحتاج دائماً إلى أيدٍ عاملة وإلى ملء القرى والمدن الفرنسية التي تعاني من نقص كبير في أعداد السكان».

من سينتصر أخيراً؟
تسارع أحزاب المعارضة الفرنسية الخطى إلى عقد اتفاق اللحظات الأخيرة قبل الجولة الثانية، سعياً لعرقلة وصول اليمين المتطرف إلى الحكم. وتجنباً لانقسام الأصوات المناهضة له، انسحب أكثر من 210 مرشحين (من أصل 311) من اليسار ومعسكر الرئيس إيمانويل ماكرون لصالح خصومهم، لقطع الطريق أمام حزب «التجمع الوطني» ومنعه من الحصول على الأغلبية المطلقة الأحد المقبل، علماً أن زعيمة «التجمع الوطني» مارين لوبان أعلنت أنها لن «تترأس الحكومة إلا إذا فازت بأغلبية مطلقة».

وعمّا إن كان مسعى اليسار وماكرون قادراً على منع اليمين المتطرف من الفوز بأغلبية، رأى نور الدين أن «فرنسا من أكثر البلدان التي تمتاز بمزاجية الناخب، وبين ساعة وأخرى يمكن أن يتغير المزاج الشعبي، ومن الصعب فرض أي مجموعة سياسية رأيها على الرأي العام، ومن غير المعروف لمن سيصوّت الفرنسيون». وتوقّع نور الدين أن «فرنسا ستذهب نحو حالة من الشلل تشبه ما يحصل في المؤسسات اللبنانية، أي لا أكثرية واضحة في البرلمان»، مشيراً «إلى حديث يدور عن تشكيل حكومة تكنوقراط، تستطيع فقط تسيير الأعمال الإدارية والتصويت على قانون الميزانية لدفع رواتب الموظفين». وختم نور الدين بأن «ماكرون استبق الأمور وملأ الفراغ في الإدارة قبل مرحلة الشلل المرتقبة، فالتعيين يحتاج إلى توقيعين وفي حال تسلّم جوردان بارديلا (اليمين المتطرف) الحكومة واقترح تعيينات جديدة، فماكرون لن يوافق وبالعكس».