طهران | على مسافة يومين من جولة الإعادة في الانتخابات الرئاسية الإيرانية، تحتدم المنافسة بين المرشحَين النهائيَّين: مسعود بزشكيان، وسعيد جليلي، وخصوصاً أن تقارب النتائج بينهما، بفارق مليون صوت للأول، بعث لديهما الأمل في الفوز، وساهم تالياً في اشتداد حدّة المنافسة. وتتمثّل الاستراتيجية الرئيسيّة لحملة المرشّح عن التيار الأصولي، جليلي، في استقطاب الحدّ الأقصى من الثلاثة ملايين و300 ألف صوت التي ذهبت إلى المرشح الأصولي الآخر، محمد باقر قاليباف، في الجولة الأولى، لتعويض الفارق مع بزشكيان، والتقدّم عليه للفوز. وبالتزامن، تسعى حملة جليلي إلى اختراق سلّة أصوات منافسه، واجتذاب جزء منها نحوه، ولا سيما في المدن الصغيرة والأرياف، حيث يصوّت الناس من دون الأخذ في الحسبان الانتماءات السياسية لهذا المرشح أو ذاك. في المقابل، تتمثّل استراتيجية حملة المرشح الإصلاحي، بزشكيان، في تحريك جزء من الـ 60% ممَّن لم يشاركوا في الجولة الأولى من الانتخابات احتجاجاً على الوضع القائم، وتحفيزهم على الإدلاء بأصواتهم لمصلحته، بوصفه معارضاً لهذا الوضع. وتعقد حملة مرشح الإصلاحيين، أيضاً، الآمال على سلّة أصوات قاليباف، ولا سيما أولئك الذين صوّتوا له لكونه يتمتّع بطابع تكنوقراطي، وهم أنفسهم لا يحبّذون الجناح الراديكالي الداعم لجليلي.
اشتداد حدّة القطبية الثنائية
ويرى الإعلامي ورئيس تحرير موقع «جماران» الإخباري، روزبه علمداري، أن المشهد تحوّل في جولة الإعادة إلى «ثنائي القطب، وأكثر حدّة من الجولة الأولى»، إذ يسعى الطرفان، في حملاتهما ودعايتهما الانتخابية، إلى «التخويف من مجيء الطرف الآخر إلى السلطة». ويقول علمداري، في حديث إلى «الأخبار»، إنه «نظراً إلى تقارب الأصوات بين المرشحَين في الجولة الأولى، فإنه بات من الصعوبة بمكان التكهّن بنتيجة جولة الإعادة، لكن يبدو أن جزءاً من الذين لم يصوّتوا في الجولة الأولى، سيأتون إلى الجولة الثانية»، لافتاً إلى أنه يمكن رؤية قرائن ومؤشرات ذلك في الأيام الأخيرة في المجتمع، وأيضاً في الفضاء الافتراضي.
أحد أسباب تراجع المشاركة في الانتخابات يعود إلى احتجاجات عام 2022


وفي تحليله للأصوات التي حصل عليها بزشكيان وجليلي، يشير علمداري إلى أن «الأرقام والإحصاءات تشير إلى أن مجمل أصوات جليلي وقاليباف، بوصفهما المرشحَين الرئيسيَّين عن التيار الأصولي، كانت أقل بنسبة 4 إلى 5 ملايين من أصوات منتخب الأصوليين في الانتخابات الرئاسية السابقة، أي إبراهيم رئيسي». في المقابل، فإن معظم الأصوات التي حصل عليها بزشكيان، جاءت من غير المحسوبين على ثنائية «الأصولي - الإصلاحي»، أي أولئك الذين أنهكهم الوضع السياسي والاقتصادي والاجتماعي الراهن، فيما جزء كبير من الجسم الداعم للإصلاحيين في الدورات السابقة أحجموا عن التصويت في الجولة الأولى، على خلفيّة تذمرهم من الظروف التي تمرّ بها البلاد. إذ إن إيران، بحسبه، «تمرّ، منذ أكثر من ستّ سنوات، بظروف مختلفة، بسبب انسحاب الرئيس الأميركي السابق، دونالد ترامب، من الاتفاق النووي وعودة العقوبات المفروضة على طهران، فضلاً عن الاحتجاجات المتتالية التي شهدتها البلاد». ولذلك، فإن «تحريك المشهد الانتخابي مجدّداً يحتاج إلى تحضيرات وإجراءات تفوق تنوّع المرشحين، إذ يجب تدعيم الظروف السياسية والاجتماعية والاقتصادية ليجد الشعب فسحة أمل ونظرة إيجابية تستحثّه على التوجّه نحو صناديق الاقتراع».

الظلال القاتمة لاحتجاجات عام 2022
من جهته، يذهب الباحث الاجتماعي، محمد رهبري، إلى القول إن احتجاجات عام 2022، «ألقت بظلال قاتمة على رئاسيات هذا العام»، مضيفاً أنه «إذا شارك في جولة الإعادة أولئك الذين أحجموا عن التصويت في الجولة الأولى كعلامة على الاحتجاج، فإن حظوظ بزشكيان، بوصفه المرشح الناقد للوضع القائم، ستتزايد أكثر من ذي قبل». ويوضح، في حديث إلى «الأخبار»، أن «نتائج الجولة الثانية من الرئاسيات تتوقّف بالدرجة الأولى على نسبة المشاركين الذين لم يصوّتوا في الجولة الأولى، لكنهم سيصوّتون في جولة الإعادة. وإذا شارك 5% إلى 10% من الـ 60% الذين امتنعوا عن التصويت، فإن بزشيكان سيفوز بالرئاسة، ولا سيما أن جزءاً كبيراً من أصوات قاليباف قد يذهب إلى بزشكيان. لكن إذا شاركت نسبة ضئيلة جداً في الانتخابات، فإن احتمالات فوز جليلي ترتفع».
وفي تقييمه للأصوات التي حصل عليها كلا المرشحين، يقول الباحث الاجتماعي إن «أصوات بزشكيان يمكن تقسيمها إلى ثلاث فئات: الأولى، الجسم الداعم للتيار الإصلاحي؛ والثانية، تتمثّل في الأصوات التي أدلت بها العرقيات الإيرانية، بمن فيهم الآذريون (الأتراك) والأكراد؛ والثالثة، هم الذين منحوه أصواتهم، بمعزل عن توجهاته وانتماءاته السياسية، بل على خلفية خصائصه الشخصية، بما فيها صدقيته وبساطته. بيد أن القسم الأكبر من الأصوات التي ذهبت إلى جليلي، جاءت من الجسم الداعم للتيار الأصولي والثوري. وطبعاً، فإنّ بعض الأصوليين المعتدلين لا يحملون نظرة إيجابية تجاهه. والقسم الآخر من أصواته تعود إلى الناس العاديين الذين اعتبروه، بمعزل عن التوجهات السياسية، الشخص الأجدر بالرئاسة».
ويرى رهبري أن أحد أسباب تراجع المشاركة في الانتخابات يعود إلى احتجاجات 2022، علماً أن «أدنى نسبة للمشاركة سُجّلت في المحافظات التي شكّلت بؤرة الاحتجاجات، بما فيها كردستان، وسيستان وبلوشستان، وجيلان، ومازندران». وفي الوقت ذاته، يبيّن أن عدم إجراء انتخابات المجالس البلدية والقروية، بالتزامن مع الانتخابات الرئاسية، شكّل أحد أسباب انخفاض نسبة المشاركة (40%) مقارنة بالدورة السابقة من الرئاسيات (48%). ويتابع أن «تزامن إجراء هاتين الدورتَين الانتخابيّتَين، خلال السنوات الأخيرة، كان وراء ارتفاع نسبة المشاركة، بسبب القضايا المحلية التي تشكّل دافعاً للناخبين لكي يدلوا بأصواتهم في الانتخابات الرئاسية أيضاً».