طهران | صَدمت وفاة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، ووزیر الخارجیة حسين أمير عبد اللهيان، والوفد المرافق لهما، في حادث تحطُّم مروحية، إيران والمنطقة والعالم، مثيرةً العديد من الأسئلة حول المستقبل السياسي في الجمهورية الإسلامية، والتي سارع رأس الهرم فيها، المرشد الأعلی، آية الله علي خامنئي، إلى اتخاذ إجراءات لضمان ألّا تؤدي الحادثة المفجعة، إلى الإضرار بالنظام والأمن والاستقرار السياسي في البلاد. وفي الثامنة من صباح أمس، تأكّدت أنباء العثور على المروحية التي كانت تُقلّ الرئيس والوفد المرافق له، ومقتل جميع ركابها الثمانیة، بعد تحطُّمها، الأحد، في محافظة أذربيجان الشرقية شمال غربي إیران بسبب «ظروف جوية سيئة»، لدى عودة رئيسي من مراسم افتتاح سد مائي على الحدود بين إیران وأذربیجان، شارك فیها أیضاً الرئیس الأذربیجاني، إلهام علییف.وتمّ اتّخاذ الإجراءات اللازمة للسيطرة على الوضع منذ الأحد، خصوصاً في الساعات الأولى بعد إعلان خبر «الهبوط الصعب» للمروحية التي كانت تُقلّ رئيسي، وتزايد احتمالات وفاة ركّابها. وبناءً على ذلك، عُقد اجتماع للمجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، برئاسة خامنئي، وصدرت عنه أوامر، أهمّها الإشارة إلى الاستعداد التامّ للقوات المسلحة والشرطة. وفي كلمة مقتضبة وجّهها إلى الشعب الإیراني يوم الأحد، طمأن خامنئي، الإيرانيين، إلى أنه لن يكون هناك «أيّ خلل» في إدارة شؤون البلاد، داعياً إيّاهم إلى عدم القلق. وبعد ساعات قلیلة من تأکّد الوفاة، أعلن المرشد الأعلى، أمس، الحداد العام لمدة خمسة أيام، مكلّفاً النائب الأول للرئيس، محمد مخبر، بأعمال الرئاسة. وقال خامنئي، في بيان نقلته وكالة «إرنا»: «سيتولّى مخبر إدارة السلطة التنفيذية، وهو ملزم، بالترتيب مع رئيسَي السلطتَين التشريعية والقضائية، لانتخاب رئيس جديد خلال مدّة أقصاها 50 يوماً»؛ علماً أن مخبر عمل سابقاً رئيساً لهيئة «تنفيذ أمر الإمام» الحكومية (إحدى المؤسّسات القریبة من مکتب المرشد الأعلی)، فضلاً عن تولّيه عدداً من المناصب في الإدارات التنفيذية الحكومية على مستوى محافظة خوزستان.
كلّف رئيس هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة فريقاً رفيعاً لدراسة أبعاد حادث تحطُّم المروحیة وأسبابه


وبحسب المادة 131 من الدستور الإيراني، يتعيّن على مجلس يتكوّن من النائب الأول للرئيس، ورئيسَي البرلمان والسلطة القضائية، الترتيب لانتخاب رئيس جديد. وفي هذا الإطار، ذكرت وسائل إعلام إيرانية أن «الاجتماع الاستثنائي» للمسؤولين الثلاثة انعقد باستضافة مخبر، بصفته الرئيس الإيراني بالوكالة. وفيه، أكّد رئيس البرلمان محمد باقر قاليباف، ورئيس السلطة القضائية غلام حسين محسني إيجي، «التعاون الكامل مع محمد مخبر للقيام بمهامّ السلطة التنفيذية». وقال مخبر، من جهته، إن «المصاب أليم وصعب للشعب والحكومة والقيادة، ولكنّ هناك أمرين يجب التنبّه إليهما: الأول هو متانة نظام الجمهورية الإسلامية بفضل قيادته وعدم تعرّضه لأيّ خلل في مثل هذه الحوادث؛ والثاني هو مواصلة إدارة البلاد من دون أيّ تقصير». أما قائد «الحرس الثوري»، حسين سلامي، فأكّد، بدوره، أنه «على عكس مآرب الأعداء، فإن إيران ستواصل مسيرة ثورتها وتقدّمها على رغم الحادث الأليم». كذلك، تمّ تعیین علي باقري، كبير المفاوضين في الملفّ النووي، ونائب وزير الخارجية للشؤون السياسية، وزيراً بالوكالة، خلفاً لحسين أمير عبد اللهيان الذي قضى مع رئيسي في حادث تحطُّم المروحية. وأعلن الناطق باسم الحكومة، علي بهادري جهرمي، أن باقري عُيّن «مسؤولاً عن لجنة العلاقات الخارجية للحكومة».
وإذ كلّف رئيس هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة، اللواء محمد باقري، فريقاً رفيعاً بدراسة أبعاد حادث تحطُّم مروحیة الرئیس وأسبابه، أعلن الناطق باسم «مجلس صيانة الدستور»، هادي طحان نظيف، أنه سيتمّ تشكيل مجلس يضمّ رئيسَي البرلمان والسلطة القضائية ومسؤولين آخرين، لتهيئة الظروف لإجراء الانتخابات الرئاسية خلال 50 يوماً، لافتاً إلى أنه لا توجد مشكلة بسبب عدم وجود قانون، وسيتم تنفيذ العملية وفقاً للدستور. ومساء أمس، أعلنت السلطات الثلاث في إيران، الاتفاق على إجراء الانتخابات في الـ28 من حزيران المقبل. والجدير ذكره، هنا، أن هذه ليست المرة الأولى التي تجري فيها انتخابات مبكرة في هذا البلد؛ إذ بدأت مع الرئيس الأول للجمهورية، أبو الحسن بني صدر، الذي عُزل في 10 حزيران 1981، لتُعقد انتخابات مبكرة أسفرت عن فوز رئيس الوزراء آنذاك، محمد علي رجائي برئاسة الجمهورية. لكنّ الأخير تولّى الحُكم لمدّة 28 يوماً فقط، قبل أن يتعرّض للاغتيال هو وعدد من القادة الحكوميين، وعلى رأسهم رئيس الوزراء محمد جواد باهنر، ويتبع ذلك مباشرة تشكيل مجلس مؤقت لرئاسة الجمهورية حتى انعقاد الانتخابات الرئاسية المبكرة في الثاني من تشرين الأول 1981، والتي فاز فيها علي خامنئي بمنصب الرئيس.
وشهدت إيران، قبل ثلاثة أشهر، الجولة الـ12 من الانتخابات البرلمانية، والتي اتسمت بانخفاض نسب المشاركة فيها (41%). وفي غياب الأحزاب الإصلاحية والحضور المحدود للأحزاب المعتدلة، انحصر التنافس الرئيسي في تلك الانتخابات بين مختلف أطياف التيار الأصولي، وهو ما سيكون عليه الأمر في الاستحقاق المبكر. وفي هذا الإطار، يتوقّع أن تكون شخصيات من مثل محمد باقر قاليباف، ومحمد مخبر، ووزير الطرق والتنمية الحضرية مهرداد بذرباش، من بين المرشّحين المحتملين. على أنه لن يكون لوفاة رئيسي تأثير على سياسات إيران، خاصة في مجال السياسة الخارجية، لأن تحديدها يقع على عاتق المرشد.