للمرّة الأولى في تاريخ الصراع بين أرمينيا وآذربيجان، وضع ممثّلو الطرفَين، في الـ19 من نيسان الجاري، اللبِنة الأولى والأساسية لفكّ الاشتباك بينهما، في ما سيشمل أولاً الحدود الجغرافية، فضلاً عن المطالب المتعلّقة بالاعتراف بأن ما جرى في عام 1915 من أحداث ضدّ الأرمن، إنّما كان «إبادة». ومن باب التذكير، فقد أعقب تفكُّك الاتحاد السوفياتي، نشوب حرب شاملة بين أرمينيا والأرمن - بمَن فيهم أرمن قره باغ - وبين آذربيجان، إلى أن نجح الأرمن في السيطرة الكاملة على الأراضي التي ظلّت جزءاً من الأراضي الآذربيجانية خلال الحقبة السوفياتية، أي حتى عام 1990. وعلى إثر ذلك، أُعلنت قره باغ جمهورية مستقلّة منفصلة بالكامل عن باكو، وبقيت على هذه الحال حتى عام 2020، حين أطلقت آذربيجان «حرباً وطنية» كان من نتائجها استعادتها كامل أراضيها من الأرمن، ثم ثبّتت، في عام 2023، سيطرتها العسكرية الكاملة على الإقليم، ما اضطر سكانه الأرمن إلى مغادرته نحو أرمينيا.ومنذ ذلك اليوم، تصرّ آذربيجان على توقيع اتفاق لترسيم الحدود النهائية بينها وبين أرمينيا، في ما سيعني فرض سيادة الأولى الكاملة على كل أراضيها، بما فيها قره باغ. وظلّت هذه النقطة إحدى أهمّ العقبات في الطريق إلى توقيع اتفاق سلام نهائي بين البلدين، إلى أن أعلن رئيس «لجنة العلاقات الخارجية» في البرلمان الأرميني، سركيس خندنيان، أن بلاده توصّلت، في الـ19 من الجاري، إلى اتفاق مع آذربيجان لترسيم الحدود نهائياً، موضحاً أن الترسيم سيكون وفقاً لـ«اتفاق ألماتا» لعام 1991، والذي ينصّ على اعتبار الحدود التي كانت قائمة في العهد السوفياتي هي الرسمية، أي إنّ أرمينيا، وفقاً لخندنيان، ستعيد إلى آذربيجان أربع قرى، علماً أن رئيس الوزراء الأرميني، نيكول باشينيان، أعلن سابقاً أن آذربيجان هدّدت بمهاجمة أرمينيا في حال لم تسلّم الأخيرة تلك القرى. وأفادت دائرة «العلاقات مع الشعب» في رئاسة الحكومة الأرمينية، من جهتها، بأن «ترسيم الحدود، للمرّة الأولى بهذ الشكل، سيقلّل من المخاطر الأمنية التي تحيق بأرمينيا»، مشيرة إلى أن قوات حرس الحدود الأرمينية ستتولّى حفظ الأمن على الحدود مع القرى المشار إليها. ودافع باشينيان، بدوره، بأن ترسيم الحدود بين البلدين سيُنتج «تغييراً مهمّاً في العلاقات» بينهما، إذ «لن يعود الخطّ الجديد خطّ تماس، بل خطّ حدود. وهذه إشارة سلام بالنسبة إلى البلدين». وفي المقابل، قال رئيس جمهورية آذربيجان، إلهام علييف، إن البلدين باتا، بعد لقاء موسكو حول الحدود، أقرب من أيّ وقت مضى إلى توقيع اتفاق سلام؛ إذ، وفقاً لصحيفة «قرار» التركية، باشرت «فرق عمل آذربيجان وأرمينيا، يوم الثلاثاء الماضي، تحديدَ الحدود بينهما عبر وضع علامات خرسانية، وهي خطوة مهمّة جداً لإنهاء التوتّر والنزاع بين البلدين».
الترسيم سيكون وفقاً لـ«اتفاق ألماتا» لعام 1991، والذي ينصّ على اعتبار الحدود التي كانت قائمة في العهد السوفياتي هي الرسمية


وبعد اللغط الذي أثاره باشينيان باعتباره أحداث 1915 «كارثة كبرى» وليست «إبادة»، فهو أعاد، في رسالته المكتوبة لمناسبة الذكرى، استخدام مصطلح «إبادة»، ولكنه كرّر في متن رسالته وصف ما جرى بأنه «كارثة كبرى». ولم يشر باشينيان مباشرة إلى زعماء السلطنة العثمانية، بل اكتفى بالإشارة الى أن الأرمن «أبيدوا بالسيف في عام 1915، لمجرّد أنهم أرمن في الدولة العثمانية». ومن جانبه، أبرق الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، إلى بطريرك الأرمن في إسطنبول، سحاق مشعليان، معزّياً، وذكر في رسالته أنه يحيّي باحترام «ذكرى مواطني الدولة العثمانية من الأرمن، والذين سقطوا في ظروف سلبية خلال الحرب العالمية الأولى»، قائلاً إنه لن يسمح بأن يشعر الأرميني في تركيا بأنه مواطن من الدرجة الثانية. وبدوره، اعتبر البطريرك مشعليان، في قداس تذكار الضحايا الأرمن، أن ما حدث كان «كارثة كبرى»، من دون أن يستخدم مصطلح «إبادة». ولكن الرئيس الأميركي، جو بايدن، كرّر، في رسالته السنوية للمناسبة - كما جرت العادة منذ عام 2001 -، وصف ما جرى بأنه «إبادة»، مشيراً إلى أن مليوناً ونصف مليون أرميني قد هُجّروا أو قُتلوا أو توفوا من جرّاء تلك الأحداث. وفي الحال، ردّت وزارة الخارجية التركية على بيان بايدن، رافضة ما ورد فيه جملةً وتفصيلاً، معتبرة أنه بيان أحادي الجانب، ويتعارض مع الوقائع التاريخية لتلك المدة والقانون الدولي. وذكّر البيان بأن «المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان» اعتبرت، بوضوح، أن أحداث عام 1915 هي «موضع مناقشة مشروعة»، وأن «مثل هذه التصريحات لبايدن لا تعمل سوى على إلحاق الضرر بجهود التسوية بين المجتمعين (التركي والأرميني) وتشجّع على الكراهية».