يخضع دونالد ترامب، منذ الإثنين، في نيويورك، لأول محاكمة جنائية بحق رئيس سابق في تاريخ الولايات المتحدة، رجّح مراقبون أنها قد تستغرق من ستة إلى ثمانية أسابيع، بسبب جملة اعتبارات، أبرزها «صعوبة» اختيار هيئة المحلفين التي ستشارك في المحاكمة، والتي برزت منذ اليوم الأول، بعدما تمّ استبعاد أكثر من نصف المواطنين المرشحين لهذا الدور، بحجة عدم قدرتهم على التزام «الحياد» في القضية. على أنّ هذه المهمة اكتسبت «زخماً»، الثلاثاء، أي في اليوم الثاني من المحاكمة، بعدما عُيّن سبعة محلفين من أصل 12، في القضية التي تتهم، في إطارها، المحكمة الجنائية، ترامب، بدفع مبلغ 130 ألف دولار لممثلة أفلام إباحية سابقة، كي لا تفضح «علاقة جنسية» بينهما، قبل نحو 10 سنوات، ثمّ «تزوير مستندات حسابية» لمجموعته العقارية، بهدف إخفاء المبلغ المشار إليه، وذلك قبل حملته الانتخابية عام 2017. وحالياً، من المتوقع أن تُستأنف المحاكمة الخميس، علماً أنّها من المقرر أن تدور طوال أيام الأسبوع، ما عدا الأربعاء. وكان محامي ترامب قد حاول عزل المرشحين الذين عبروا، في غير محطة، عن «آراء سلبية» تجاه الرئيس الأميركي السابق، ما وضعه، منذ اللحظة الأولى، في موقع صدامي مع القاضي خوان مانويل مارشان، الذي رفض العديد من ممارسات ترامب ومحاميه، تود بلانش، بعدما عمد الأخير حتى إلى «تفحّص» حسابات وسائل التواصل الاجتماعي الخاصة بالمرشحين للهيئة، مؤكداً لبلانش أنّ «المسألة لا تكمن في ما إذا كان الشخص يتفق مع موكلك سياسياً أم لا، بل ما إذا كان بإمكانه أن يكون عادلاً ومحايداً». على أنّ القاضي نفسه وافق على إقالة عدد من المرشحين، البالغ عددهم 96، ومن ضمنهم امرأة دعت، في وقت سابق، إلى «سجن ترامب». وطبقاً لـ«نيويورك تايمز»، عكس الخلاف حول المسألة المشار إليها «التحدي» الذي يترتب على اختيار هيئة محلفين في مدينة تُعدّ فيها شعبية ترامب منخفضة إلى حدّ كبير، علماً أنّه إلى جانب القضاة الـ12، من المفترض أن يُعيّن ستة مناوبين للمشاركة في المحكمة. ورغم أنه من المفترض أن يكون للمحلفين الدور الأكبر في مانهاتن، حيث يواجه ترامب المحاكمة، إلا أنّه يمكن لمحلف «واحد» أن يوقف القضية، ويعلّق الهيئة، في سيناريو سيعدّ، في حال حصوله، انتصاراً للرجل.
لن يكون ترامب قادراً، هذه المرة، على «التغيّب» عن جلسات المحكمة


من جهته، يسعى ترامب إلى استخدام «العقبات» القانونية التي يواجهها لإعطاء زخم لحملته الانتخابية وحشد ناخبيه، ولا سيما عبر التشكيك في «نوايا» خصومه ومهاجمتها. وفي اليوم الأول للمحاكمة التي يواجه فيها ترامب 34 تهمة بارتكاب جناية، هاجم الرئيس الجمهوري السابق، مرة جديدة، النظام الجنائي، معدّاً أنّه «يُستخدم كسلاح ضده»، وواصفاً المحاكمة بأنّها «اعتداء على الأمة»، «وتدخل في الانتخابات»، باعتباره المرشح الجمهوري المحتمل لخوض الانتخابات الرئاسية القادمة. إلا أنّ ترامب، لن يكون قادراً، هذه المرة، على «التغيّب» عن جلسات المحكمة، ولا سيما في أعقاب توجيه القاضي تهديداً إليه بمواجهة عقوبة «السجن» في حال حاول تعطيل المحكمة التي ستُستأنف حتى «في غيابه»، في وقت يواجه فيه ترامب الرئيس السابق احتمال دفع غرامات بقيمة آلاف الدولارات، بتهمة «انتهاك حظر النشر»، بما في ذلك خلال اليوم الأول من المحاكمة.

مستقبل الحملة الانتخابية
وإلى جانب هذه القضية، فإنّ المرشح الجمهوري المحتمل للرئاسة متهَم أيضاً بارتكاب عشرات الجنايات في ثلاث قضايا أخرى، اثنتان منها فيدراليتان، وأخرى في جورجيا. على أنّه لن يتم فرض أي قيود على حملة ترامب الانتخابية بسبب المحاكمة، علماً أنّه كان قد أعلن، في شباط الماضي، أنه سيجد طريقة لاستكمال حملته عندما يتوجب عليه الحضور بشكل شبه يومي إلى المحكمة، قائلاً: «سأكون هناك طوال النهار، وسأستكمل حملتي خلال الليل». ورغم أن حظوظه لا تزال مرتفعة إلى حدّ كبير في استطلاعات الرأي، إلا أنّ الأخيرة تكشف، في المقابل، أن نسبة معينة من الناخبين تربط قرارها بما إذا كانت المحكمة ستدين ترامب أم تُبرّئه. من جهته، كان بايدن يمتنع، بشكل واضح حتى الآن، عن التحدث في تفاصيل أي من القضايا المرفوعة ضد ترامب، محاولاً الحفاظ على «مسافة» بين حملته الانتخابية وقرارات المحكمة التي تصر على أنها «غير مسيّسة»، فيما من المتوقع أن لا يتغير هذا النهج مع محاكمة نيويورك الأخيرة.