ثمّة رؤية أخرى يتبنّاها المرشد الأعلى الإيراني شخصيّاً، وحكومة رئيسي، مفادها أنه لا يجب ربط اقتصاد البلاد بالمحادثات الدبلوماسية
وإذ لا ينكر المسؤولون الإيرانيون تأزّم الوضع الاقتصادي، ثمّة رؤيتان متباينتان في الجمهورية الإسلامية حول كيفية حلّ الأزمة الاقتصادية: يذهب البعض إلى أن السبب الرئيسي للأزمة يتمثّل في العقوبات الغربية على إيران، وبالتالي فإن مفتاح حلّها يكمن في المحاثات الهادفة إلى رفع العقوبات. ويرى أصحاب هذه الوجهة التي تطرحها في الغالب، الأوساط السياسية والإعلامية المحسوبة على المعسكر الإصلاحي والمعتدل والقريب من الحكومة الإيرانية السابقة، برئاسة حسن روحاني، أنه في الظروف التي تخضع فيها البلاد للعقوبات ولا يتمّ فيها التعامل اقتصادياً ومالياً مع الخارج، بشكل عادي، فإنه لا يمكن التغلّب على الأزمة الاقتصادية. ويأتي التركيز على المحادثات بهدف رفع العقوبات، على رغم أن أيّ خطوة لإحياء الاتفاق النووي المبرم عام 2015، لم تُتَّخذ بعد. وإلى الموضوع النووي، فإن الخلافات بين إيران والولايات المتحدة في مجالات مثل البرنامج الصاروخي والآخر المتعلّق بالمُسيّرات والتعاون العسكري الإيراني مع روسيا، ودعمها لمجموعات المقاومة في المنطقة، قد تصاعدت، فيما لا تلوح في الأفق مؤشرات واضحة إلى إمكانية رفع العقوبات المفروضة عن طهران.
وفي مقابل الرؤية الآنفة، ثمّة رؤية أخرى يتبنّاها المرشد الأعلى شخصيّاً، وحكومة إبراهيم رئيسي، مفادها أنه لا يجب ربط اقتصاد البلاد بالمحادثات الدبلوماسية، وأنه يتعيّن تحييد العقوبات من خلال الاقتصاد ذي التوجّه الداخلي والإنتاج المحلّي. ووفق هذه الرؤية، فإن توسيع التعاون مع الحكومات غير الغربية، بما فيها روسيا والصين، يشكّل أحد السبل الأخرى الكفيلة بإحباط مفعول العقوبات. وتقول إدارة رئيسي إنها تمكّنت بعد مضي نحو عامين ونصف عام على تشكيلها، وعلى رغم العقوبات، من تحريك المؤشرات الاقتصادية نحو الأفضل. وفي هذا الإطار، أوضح الرئيس الإيراني، في كلمته لمناسبة بدء السنة الجديدة، أن بلاده تسجّل، للسنة الثالثة على التوالي، نموّاً زاد على 4%، لافتاً إلى أن معدل النمو إبّان إدارة روحاني، بلغ أقل من 1%. وأشار أيضاً، في أول جلسة لمجلس الوزراء في السنة الجديدة، الأحد الماضي، إلى أن كلام المرشد الأعلى في شأن تحقيق قفزة إنتاجية موجه بشكل رئيسي إلى الحكومة، قائلاً إن دراسة آليات القفزة الإنتاجية وكذلك استقطاب الحدّ الأقصى من المشاركة الجماهيرية عن طريق إتاحة المجال للقطاع الخاص، تُعدّ من متطلّبات تطبيق شعار العام.
وفي سياق متصل، تحدّث وزير الاقتصاد الإيراني، إحسان خاندوزي، عن تحطيم الرقم القياسي في مجال الاستثمارات الحقيقية في الاقتصاد الإيراني خلال الأعوام الـ16 الأخيرة. وكتب عبر حسابه في منصة "إكس": "لقد تمّ خلال العام (الإيراني) الماضي تسجيل أكبر رقم قياسي للاستثمارات الأجنبية على مدار الأعوام الـ16 الأخيرة. وكان الصينيون أكبر مستثمر في إيران (5.5 مليارات دولار) خلال العام الماضي". وتُظهر تصريحات المسؤولين الإيرانيين أنهم يأملون في العام الذي من المرجّح أن يتولّى فيه دونالد ترامب الرئاسة الأميركية مجدّداً، وما يُتوقّع من تشدُّد نتيجةً لذلك، في أن ينجحوا في ضوء زيادة الإنتاج الداخلي والتعامل مع روسيا والصين، في الصمود بوجه الظروف الشائكة وتحييدها.