في أعقاب انطلاق الانتخابات الرئاسية، التي استمرت من الجمعة حتى يوم أمس، شنّت كييف أحد أوسع هجماتها بالطائرات المُسيّرة والصواريخ منذ بدء الحرب في أوكرانيا منذ سنتين، مستهدفةً مناطق متفرقة من روسيا، ما أسفر عن مقتل شخصين بهجوم صاروخي في مدينة بيلغورود، بحسب حاكم المدينة، فضلاً عن أضرار مادية وحرائق في شوارع المنطقة. كما أدّت الهجمات بالطائرات المُسيّرة إلى اشتعال النيران في مصفاة «سيزران»، في منطقة نهر الفولغا، فيما تمّ إحباط هجوم آخر على مصفاة «نوفوكوبيشيف»، بحسب حاكم منطقة سامارا، الواقعة بالقرب من الحدود مع أوكرانيا، حيث تسبّبت الغارات بانقطاع الكهرباء عن عدد من المدن. من جهتها، أكّدت روسيا وقوع الهجمات بـ35 طائرة مُسيّرة. وقالت وزارة الدفاع الروسية، في منشور عبر «تلغرام»، إنها دمّرت 17 طائرة مُسيّرة فوق منطقة كراسنودار في جنوب روسيا، وأربعاً فوق منطقة موسكو، وأخرى فوق ست مناطق متفرقة. وفي أعقاب الضربات التي استهدفت «البنية التحتية الروسية»، اتهمت موسكو كييف بـ«تخريب الانتخابات»، فيما توعّد الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، بـ«معاقبة» أوكرانيا. في هذا الوقت، على الرغم من أنّ الإعلام الغربي دأب أخيراً على التركيز على مظاهر «للمعارضة» «والقمع» تحيط بالانتخابات الأخيرة، إلا أنّه كان لافتاً نشر بعض منصات هذا الإعلام نفسه، مقابلات مع مواطنين روس، وإحصاءات تدل على أنّ بوتين، وبعد عامين من الحرب التي تكبّد العديد من المواطنين الروس أثماناً مادية وبشرية لها، ولا سيما في المناطق الواقعة على الحدود مع أوكرانيا، لا يزال يحظى بدعم الغالبية الكبرى من الشعب الروسي؛ لا بل إنّ سكان المناطق الحدودية التي تعرّضت لأكبر عدد من الهجمات الأوكرانية، كانوا أكثر من أعربوا عن دعمهم للرئيس الروسي، مؤكدين أنّ أصواتهم ستصبّ في مصلحته. وفي السياق، أوردت صحيفة «واشنطن بوست» الأميركية، الجمعة، تقريراً جاء فيه أنّه في خلال الأيام الأربعة السابقة، عمدت الدفاعات الجوية في مدينة بيلغورود إلى اعتراض وابل من الصواريخ والطائرات المُسيّرة المتفجرة، بينما اضطر الجيش الروسي إلى قتال «الميليشيات المناهضة للكرملين»، التي شنّت هجمات على طول الحدود في محاولة لـ«تصوير بوتين على أنّه غير قادر على حماية بلاده»، تزامناً مع فترة الانتخابات. على أنّ الصحيفة تتابع أنّه ما من أدلة «واضحة» بعد على نجاح هذه الجهود، بل على العكس تماماً، فإنّ هكذا هجمات تساهم فقط في «تعميق دعم السكان لبوتين»، وجعلهم يقتنعون أكثر بـ«رواية الكرملين» حول الحرب. وتنقل الصحيفة عن اثنين من سكان المدينة، وهما زوجان كان منزلهما قد دُمر في هجمات شنتها القوات الأوكرانية، في صباح اليوم نفسه من إجراء المقابلة، قولهما إنهما سيذهبان غداً ليدليا بصوتهما لبوتين، وإنّ الأخير «يحب بلده، ويفعل كل شيء من أجلنا»، و«نهض بالدولة بعدما كانت في الحضيض».
سكان المناطق الحدودية التي تعرّضت للكثير من الهجمات الأوكرانية كانوا أكثر من أعربوا عن دعمهم لبوتين


من جهتها، نشرت شبكة «سي أن أن» الأميركية تقريراً، قبيل الانتخابات، تؤكد فيه أنّه «شئنا أم أبينا»، يبدو بوتين رغم الحرب في أوكرانيا وتحول روسيا إلى أكثر بلد تعرضاً للعقوبات «على وجه الأرض»، «أكثر سيطرة على روسيا من أي وقت مضى، مقارنة بفترة حكمه الممتدة على مدى 24 عاماً». وبالرغم من أنّ الشبكة تحاول، في التقرير نفسه، الإيحاء بأنّ بعض المواطنين سينتخبون بوتين، لأنّه «لا بديل آخر»، ولا سيما «بعد وفاة أليكسي نافالني»، في محاولة لتضخيم حيثية «المعارض الروسي الأبرز ومؤيديه» على الساحة الداخلية الروسية، فإنّها تقرّ بأنّه «لا يمكن تجاهل ما يقوله الروس وجهاً لوجه لنا». ويتحدث التقرير عن مقابلات أجرتها الشبكة مع مواطنين روس في ضواحي شمال موسكو، وتحديداً في حديقة تعود إلى الحقبة السوفياتية، وتنظّم معارض لإنجازات البلاد في الصناعة والزراعة والفنون وقدراتها الحربية. وفي السياق، تقر «سي أن أن» بأنّه «فيما حضرت أعداد ملحوظة من الروس جنازة نفالني»، فإنّ مثل هذا المعرض «يجذب عشرات الآلاف من الأشخاص كل أسبوع»، وكثير منهم من «السياح المحليين مع عائلاتهم»، الذين يعيشون في أماكن بعيدة في روسيا، مشيرةً إلى أنّ جميع من تحدثت معهم كانوا من المؤيدين «بشدة» للرئيس الحالي. كما أنّ العديد منهم نفوا أن يكون الأخير قد ارتكب أي خطأ في ما يتعلق ببدء العملية العسكرية الخاصة في روسيا، بل إنّ بعضهم أعرب عن استعداده لـ«الذهاب إلى أوكرانيا والقتال» إذا دعت الحاجة.
كذلك، فإنّ بعض استطلاعات الرأي التي أجرتها مؤسسات غربية، من مثل شركة «ستاتيسا» الألمانية، التي نشرت، الخميس، إحصاءات تعود إلى شهر شباط من هذا العام، أظهرت مثلاً أنّ 8 من كل عشرة مواطنين روس من الذين شملهم الاستطلاع يوافقون على «أفعال فلاديمير بوتين»، وهي نسبة «أعلى بكثير» مقارنة بالفترة التي سبقت الحرب.