مع انطلاق أعمال الدورة الـ44 للمجلس التنفيذي للاتحاد الأفريقي في العاصمة الإثيوبية، أديس أبابا، بدا الموقف الأفريقي المناهض للسياسات الإسرائيلية، ومحاولات دولة الاحتلال شقّ صف دول القارة الرافضة بغالبيتها لعضوية الأولى كمراقب في الاتحاد، أكثر تماسكاً. ووفقاً لمصادر ديبلوماسية أفريقية، فإن الاتحاد منع، أول من أمس، وفداً إسرائيلياً من دخول مقرّه بغرض «عرض رؤية الكيان للحرب في غزة»، علماً أن هذا الوفد ضمّ المدير العام لوزارة الشؤون الخارجية الإسرائيلية، ياكوف بليتشتاين، المتواجد في أديس أبابا منذ بضعة أيام، لمناقشة مسألة عضوية إسرائيل مع المسؤولين الإثيوبيين.
جنوب أفريقيا تواصل مهمّتها
تزامنت محاولات الكيان فرض نفسه على الاتحاد، مع المساعي المستمرّة لجنوب أفريقيا إلى تحقيق الإدانة الكاملة للعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة في المحافل الدولية، وكذلك وضع المجتمع الدولي أمام مسؤولياته إزاء الهجوم البرّي المحتمل على مدينة رفح. وفي هذا الإطار، قدّمت بريتوريا طلباً عاجلاً إلى «محكمة العدل الدولية» (13 الجاري) للنظر في ما إذا كانت العمليات العسكرية الإسرائيلية التي تستهدف حشود الفلسطينيين في المدينة (حوالى 1.5 ملايين) تمثّل «انتهاكاً لأوامر المحكمة» الصادرة في كانون الثاني. كما طلبت من المحكمة النظر في استخدام صلاحياتها لإصدار أوامر أولية إضافية لإسرائيل، لوقف الموت والدمار في غزة. ولم تُثر تحركات جنوب أفريقيا إدانة إسرائيلية واتهامات من قبيل أنها «ممثّلة لمصالح حماس»، بل استدعت مواقف مشابهة من الكونغرس الأميركي الذي أعلن، منتصف الشهر الجاري، أنه سينظر في مشروع قانون لإعادة تقييم العلاقات الأميركية - الجنوب أفريقية برمّتها، بعد اتهام عضوَي الكونغرس جون جيمس، وجاريد موسكوفيتز، بريتوريا، بـ«بناء صلات مع دول ولاعبين (في إشارة ضمنية إلى حماس) يضرّون بالأمن القومي (الأميركي)، ويهدّدون أسلوب الحياة الأميركي». وعليه، تبدو خطوة منع الوفد الإسرائيلي من المشاركة في قمة الاتحاد، منطقية تماماً، بعدما بلغت المواقف الإسرائيلية تجاه الدول الرافضة لعضوية دولة الاحتلال، حدّ توظيف الدور الأميركي لمعاقبة تلك الدول سياسياً واقتصادياً. وتعزيزاً لذلك التوجّه، كثّفت الخارجية الجنوب أفريقية، في الأيام الأخيرة، جهودها لحشد موقف واضح في قمة أديس أبابا تجاه العدوان الإسرائيلي، في حراك تسعى إسرائيل إلى كبحه من بوابتها الأثيرة في القارّة: إثيوبيا.
تؤكد التحركات الإسرائيلية - الإثيوبية الأخيرة وجود رؤية مشتركة حول ملفّات متعدّدة


إسرائيل وإثيوبيا: تناغم متجدّد
برزت إثيوبيا، في الأشهر الماضية، كأهم دولة أفريقية مؤيّدة لإسرائيل في حربها على غزة، فيما بدا التحرّك الإسرائيلي الأخير من بوابة إثيوبيا مألوفاً، خصوصاً في ظلّ تغييرات وزارية في هذه الأخيرة أكسبت حكومة آبي أحمد طابعاً أمنياً أكثر وضوحاً، وهو جانب تملك إسرائيل فيه أفريقياً (وإثيوبياً بشكل خاص) خبرة كبيرة وفائقة. وفي ما يخصّ أجندة القمة الأفريقية، فإن إثيوبيا، التي تدفع بقوّة نحو تجاهل مناقشة أزمتها مع الصومال، وتصاعُد التوترات منذ مطلع كانون الثاني الماضي في إقليم الأمهرا، تعمل مع دول أخرى على أن يركّز جدول الأعمال على مناقشة الإصلاحات الداخلية في الاتحاد (مع استحقاق استبدال رئيس المفوضية، موسى فقي)، و«أجندة أفريقيا 2063» («أفريكا إنتيليجينس»، 15 الجاري). ومن جهتها، ترغب إسرائيل في عدم إثارة القضية الفلسطينية في فعاليات القمة، تفادياً لحشد موقف أفريقي موحّد ضدها في مثل هذا التوقيت الحاسم.
ويأتي ما تقدّم في وقت تؤكد فيه التحركات الإسرائيلية - الإثيوبية وجود رؤية مشتركة حول ملفّات متعدّدة، من أمن البحر الأحمر ومساعي نَيْل إطلالة إثيوبية على مدخله الجنوبي، وصولاً إلى ملفَّي الأزمة السودانية و«الإرهاب» وغيرهما، علماً أن تقارير محلية (11 الجاري) أكدت تعاظم مخاطر استهداف الأفراد والمصالح الإسرائيليين في دول شرق أفريقيا بأعمال «إرهابية» إلى مستويات غير مسبوقة. وهكذا، فإن تطابق رؤيتَي إسرائيل وإثيوبيا - التي مثّلت حجر زاوية في سياسات «حلف الأطراف» التي أعلنها رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق، ديفيد بن غوريون -، تجاه قمة الاتحاد، شكّل أرضية كاشفة للدعم المتبادل بينهما، بالتزامن مع تصاعد الرفض الأفريقي للأولى، ومخاوف الثانية من تراجع صورتها كرائدة لـ«الاستقلال الأفريقي». ويدفع ما تقدّم، إلى ترقّب فعاليات القمّة، ومدى قدرة إثيوبيا على فرملة المواقف الأفريقية الرافضة للحضور الإسرائيلي، بروتوكوليّاً على الأقل.

خلاصة
جاء تحرك الاتحاد الأفريقي لمنع دخول الوفد الإسرائيلي إلى مقره لحضور اجتماعات المجلس التنفيذي، ليؤشر إلى نجاح قوى الرفض الأفريقية في استباق أيّ اختراق صهيوني، بتسهيل بعض الدول الأفريقية، لمظلّة العمل الجماعي الأفريقي. لكن تظلّ قمّة الرؤساء الأفارقة حاسمة في تصدير موقف أفريقي موحّد إزاء القضية الفلسطينية، يمثّل بدوره إدانة إضافية للصلف الصهيوني، ودعماً ديبلوماسياً مهماً للفلسطينيين في خضم الأزمة الحالية.