لم يكتفِ التيار القومي التركي، ممثَّلاً بحزبَي «العدالة والتنمية» و«الحركة القومية»، في إيصال مرشّحه للرئاسة، رجب طيب إردوغان، إلى حافة الـ 50%، بل إن طبيعة الأصوات التي قد تكون «حاسمة» في الدورة الثانية لنجاح الرئيس الحالي أو منافسه كمال كيليتشدار أوغلو، جاءت لتمنح هذا التيار تأثيراً متزايداً في انتخابات الإعادة المتوقَّع إجراؤها يوم الأحد المقبل، في الـ 28 من أيار الجاري. وقد أسفرت الدورة الأولى عن نَيْل إردوغان 27 مليوناً و133 ألف صوت (49.52%)، فيما حصل كيليتشدار أوغلو على 24 مليوناً و600 ألف صوت (44.88%)، أي بفارق حوالي مليونين ونصف مليون صوت. أمّا سنان أوغان، فنال مليونين و830 ألف صوت (5.17%)، والمرشّح المنسحب قبل أيّام قليلة من الدورة الأولى، محرم إينجه، حصل على 235 ألف صوت (0.43%). وفي الحسابات الرقمية، تُواصل حملة مرشّح المعارضة إجراء حسابات مجرّدة ومعقّدة، وفق الخريطة الآتية:- عدد الذين لم يقترعوا أصلاً في الدورة الأولى: 8 ملايين و300 ألف صوت.
- عدد الذين اقترعوا واعتُبرت أوراقهم ملغاة: حوالي المليون.
- عدد الذين اقترعوا للمرشّح الثالث، سنان أوغان: مليونان و830 ألفاً.
- عدد الذين اقترعوا لمحرم إينجه: 235 ألفاً.
- عدد الناخبين الجدد الذين بات يحقّ لهم الاقتراع بعد انتخابات الدورة الأولى، أي بين 14 أيار و28 أيار، هو 48 ألفاً.
وبما أن إردوغان تقدَّم بمليونَين ونصف مليون صوت على كيليتشدار أوغلو، تتّجه الأنظار إلى الأصوات التي لم تقترع أصلاً في الدورة الأولى أو تلك التي اقترعت واعتُبرت ملغاة، أو التي صوّتت لأوغان أو إينجه، ومجموعها 12 مليوناً تقريباً. وفي حال بقاء الذين لم يقترعوا في الدورة الأولى على موقفهم، فإن المعارضة تعوّل على الأربعة ملايين المتبقين من أجل إحداث انقلاب في النتائج. وفي هذا الإطار، تلفت صحيفة «قرار» إلى أن نسبة التصويت كانت منخفضة نسبيّاً في 19 محافظة (ذات غالبية كردية)، مقارنة مع المحافظات الأخرى، إذ حصل كيليتشدار أوغلو على الغالبية في 14 من هذه المحافظات، ما يعني أن زيادة نسبة المقترعين في المحافظات الـ 14 قد تصبّ في مصلحة مرشّح المعارضة. ووفق الصحيفة نفسها، فإن «حزب اليسار الأخضر» («الشعوب الديموقراطي» الكردي) هو المتقدّم في التصويت في 17 محافظة منها، وبالتالي، فإن الرهان هو في أن يقوم الحزب الكردي بتزخيم حملة التصويت في الدورة الثانية لمصلحة كيليتشدار أوغلو.
من جهته، يقول مدير «مركز الدراسات الكردية»، رها رهاوي أوغلو، إن كيليتشدار أوغلو يراهن أيضاً على فئة الشباب التي كان تصويتها منخفضاً نسبياً، ويعمل على استمالة أكبر عدد منهم. وبحسب «قرار»، فإن هناك عدداً من المدن الكبيرة التي تقدَّم فيها مرشّح «تحالف الأمّة»، من مِثل إسطنبول وأنقرة وإزمير وديار بكر وأنطاليا وأضنة، يمكن أن تمنحه المزيد فيما لو ارتفعت نسبة التصويت فيها، لافتةً إلى أن تركيا لم تشهد بعد في تاريخها، دورة اقتراع ثانية في انتخابات الرئاسة، ما يعني أن المقارنة ليست واردة في هذا المجال، لاستقراء الاحتمالات. وإذا كانت المقارنة جائزة مع الانتخابات البلدية لعام 2019 في مدينة إسطنبول بالذات، والتي شهدت دون غيرها دورة اقتراع ثانية، فإن النتيجة صبّت، في حينه، في مصلحة مرشّح المعارضة أكرم إمام أوغلو، وبفارق كبير عمّا كانت عليه في الدورة الأولى. لكن الصحيفة تبيّن في المقابل، أن مهمّة إردوغان في إقناع الناخبين الذين لم يقترعوا، أسهل من مهمّة كيليتشدار أوغلو، في ظلّ سيطرة «تحالف الجمهور» على البرلمان الجديد. أمّا الباحث السياسي، علي تشارق أوغلو، فيرى أن على الأحزاب أن تبذل جهداً مضاعفاً لإقناع الناخبين الذين لم يقترعوا في الدورة الأولى للذهاب للاقتراع في الدورة الثانية، لافتاً إلىى أن الحزب الأكثر تنظيماً هو الأقدر على إقناع الناخب، وهو في هذه الحالة «حزب العدالة والتنمية». أما الأحزاب الأخرى، فيقول الباحث إنه ليس متيقّناً من قدرتها على الإقناع.
مجرّد ذهاب أوغان إلى القصر الجمهوري يحمل إشارات الاستعداد لتأييد الرئيس التركي


في هذا الوقت، كان كيليتشدار أوغلو يحثّ الناخبين على الذهاب إلى صناديق الاقتراع، في ظلّ اعتقاده بأن الارتفاع في نسبة التصويت سيرفع حظوظه. وتحدّثت زعيمة «الحزب الجديد»، ميرال آقشينير، للمرّة الأولى بعد الدورة الأولى، عن أن الانتخابات الرئاسية «تبدأ من جديد من النقطة الصفر»، وأنها «تحوّلت إلى استفتاء»، لافتةً إلى أنها أعطت الصلاحيات المطلقة لكيليتشدار أوغلو للالتقاء بمَن يشاء، وعلى رأسهم سنان أوغان. وفي هذا الإطار، يرى الكاتب مراد يتكين أن نزول آقشينير بثقلها إلى الساحة، هو من أجل إعطاء جرعة أمل لحملة كيليتشدار أوغلو، وللردّ على الاتهامات القائلة بأنها لم تعطِه المقدار الكافي من الأصوات في الدورة الأولى. وبالفعل، بدأ السباق على الأصوات التي أُعطيت لسنان أوغان. وبما أن هذا الأخير خاض انتخابات الرئاسة مرشّحاً عن «تحالف آتا» المؤلّف من «حزب النصر» برئاسة أوميت أوزداغ، و«حزب العدالة» برئاسة وجدت أوز، يُفترض أن تكون الأصوات التي نالها عائدة إلى حزبَي التحالف، إلى جانب أصوات أخرى. فـ«حزب النصر» نال في الانتخابات النيابية نسبة 2.23%، وبمجموع حوالي مليون و300 ألف صوت، فيما حصل «حزب العدالة» على حوالي 110 آلاف صوت (0.20%)، أي أن مجموع ما ناله حزبا «آتا»، مليون و400 ألف صوت، فيما نال أوغان حوالي 5.17% (أكثر من مليوني صوت). ويعني ذلك أن مليوناً و400 ألف، أي نصف ما ناله أوغان من أصوات، جاءت إليه من خارج «آتا». ويبدو هذا التحالف على شفير الانهيار، بعدما أعلن أوز أنه سيؤيّد كيليتشدار أوغلو، فيما أجّل أوزداغ البتّ بالموضوع إلى حين التشاور مع قيادة الحزب، ومع أوغان نفسه. وفاجأ هذا الأخير الجميع باجتماعه إلى إردوغان في القصر الجمهوري، إذ أعلن نائب الرئيس التركي، فؤاد أوكتاي، بعد اللقاء، أن «أشياء جميلة» ستحدث، في تلميح إلى أن أوغان قد يتّخذ قراراً اليوم الاثنين بتأييد إردوغان. ومجرّد ذهاب أوغان إلى القصر الجمهوري يحمل إشارات الاستعداد لتأييد الرئيس التركي. ومع أن هذا التعاون إذا حصل سيلاقي اعتراضاً وامتعاضاً من جانب شريك إردوغان في «تحالف الجمهور»، «حزب الحركة القومية»، الذي كان قد فصل أوغان من الحزب في عام 2017، فإن زعيمه، دولت باهتشلي، قال «(إننا) ملزمون في أن يكون إردوغان رئيساً للجمهورية»، ما يعني أنه سيتجاوز الاعتراض على التعاون الضمني مع أوغان. وتبعاً لأن الخطاب القومي والمحافظ «مربح» بالنسبة إلى إردوغان، فقد استأنف الرئيس حملته الانتخابية للجولة الثانية بالتركيز على النزعة القومية في خطاباته، وآخرها في آدي يمان عندما شنّ هجوماً عنيفاً على «تعاون» كيليتشدار أوغلو مع «إرهاب» «حزب العمال الكردستاني»، وتكراره مقولة أن منافسه يؤيّد إعطاء مثليّي الجنس حقّ التزاوج.