وبحسب المطّلعين على أجواء الزيارة، فإن الحفاوة الرسمية التي استُقبل بها ماكرون لا تعني بالضرورة أنه يواجه مهمّة سهلة، ليس فحسب لتشكُّك مضيفيه إزاء النيات الأميركية وقلقهم المعلن من سياسات العداء غير المبرّر التي يُظهرها الأوروبيون ضدّهم إرضاءً للبيت الأبيض، ولكن أيضاً بسبب انضمام الشخصية الصقورية، أورسولا فون دير لايين، رئيسة المفوضية الأوروبية، إليه في الرحلة. والأخيرة، التي تدير الجهاز التنفيذي للاتحاد الأوروبي، معروفة بتطرّفها في دعم السياسات الأميركية، ولطالما كان صوتها عالياً في انتقاد بكين، ودعوة الأوروبيين إلى التخلّي عن الاعتماد «غير المتوازن» عليها في مجالات اقتصادية واستراتيجية عدّة. وقد نُقل عنها القول، هذا الأسبوع، إن الصين يمكن أن تؤثّر على روسيا في شأن أوكرانيا «وبالتالي تتحمّل مسؤولية» للقيام بذلك، محذّرةً بكين من أن موقفها في هذا الشأن سيشكّل «عاملاً حاسماً» في مستقبل العلاقة بينها وبين الاتحاد الأوروبي.
الحفاوة الرسميّة التي استُقبل بها ماكرون لا تعني بالضرورة أنه يواجه مهمّة سهلة
ولذلك، فإن الصورة من بكين، تُظهر وكأن الأوروبيين أرسلوا إليهم «جايكل وهايد» معاً، أي سحْر ماكرون المحمّل بالوعود، وقساوة فون دير لايين الآتية بالضغوط. وبحسب خبراء في الشأن الصيني، فإنه، والحال هذه، من غير المرجّح أن يتمكّن ماكرون ورفيقته من إقناع القيادة الصينية بالتخلّي عن دعم بوتين، أو تخفيف وتيرة التكامل الاقتصادي المتسارع مع روسيا، وأن احتمال حدوث انقلاب في المواقف بشكل دراماتيكي لا يزيد عن الصفر. من جهته، اعترف مسؤول في الرئاسة الفرنسية بأن «الزيارة قد لا تؤدي إلى انفراجة فورية، لكن فرنسا ترى قيمة في تشغيل خطّ التواصل مع الصين على نحوٍ يمكن أن يؤتي ثماره في وقت لاحق عندما تكون روسيا وأوكرانيا مستعدّتَين لمحادثات السلام». لكن ماكرون، مع ذلك، بدا متفائلاً في أحاديثه مع الصحافيين وكبار رجال الأعمال الفرنسيين المرافقين له على متن الطائرة الرئاسية المتّجهة إلى بكين، إذ أوضح أن الغرب عموماً، والولايات المتحدة خصوصاً، يخشى من أن ترسل الصين أسلحة متطوّرة إلى روسيا، في ما من شأنه أن يغيّر معادلات المعركة في أوكرانيا بشكل جذري. لكنه رأى أنه لا إرادة مؤكدة لدى شي، إلى الآن، في الانتقال إلى هذا المستوى، وأن هذا أمر يمكن البناء عليه إيجابيّاً، على رغم تصريح سابق له - فُهم في بكين على أنه تهديد - بأن «أيّ جهة تساعد الطرف المعتدي، ستضع نفسها في موضع تواطؤ معه، في ما يُعدّ انتهاكاً للقانون الدولي». وعلى أيّ حال، فإن حكماء الصين قد يكونون حريصين بشكل ما على استثمار ماكرون، والعمل معه لإنهاء الحرب في أوكرانيا، وتجنيب العلاقات الاقتصادية بالاتحاد الأوروبي من التدهور، إنْ كان يملك بالفعل تفويضاً من الأميركيين باتّخاذ خطوات ملائمة لحفظ ماء وجه روسيا، أو إذا كان قادراً على التصرف كالرئيس الفرنسي الراحل، شارل ديغول، في الاستقلال الاستراتيجي عن الرغبات الأميركية.
الموضوع الساخن الآخر المطروح على الطاولة، هو إعلان بوتين أن روسيا ستنقل أسلحة نووية إلى بيلاروسيا، إذ تسلّمت مينسك بالفعل، في بداية هذا الشهر، منظومة صواريخ «إسكندر - إم» التي يمكن تحميلها برؤوس نووية. ويريد ماكرون من الصين، التي أعلنت مراراً رفضها استخدام التهديد بالأسلحة النووية في النزاع القائم، أن تسعى إلى حمْل روسيا على تغيير نياتها، أقلّه في هذه المسألة.
وبغير الأجندة الأميركية، فإنّ ماكرون يسعى أيضاً إلى إعادة تفعيل العلاقات الفرنسية - الصينية من التجارة إلى الثقافة، وهو اصطحب معه لهذا الغرض طاقماً وزارياً ووفداً كبيراً من كبار رجال الأعمال الفرنسيين، بمن فيهم رؤساء شركات «إير باص» و«إي دي إف» (عملاق الطاقة الأوروبي)، وسيدفع في اتّجاه تجديد الروابط الثقافية والسفر، حيث تريد باريس تشجيع السيّاح الصينيّين على العودة مجدّداً إلى فرنسا.