بات واضحاً أن المصالحة مع سوريا ستكون مؤجَّلة إلى ما بَعد الانتخابات الرئاسية
على أيّ حال، وعلى رغم كلّ الملاحظات على المواقف التركية، كانت دمشق تبدي تجاوباً مع فكرة المصالحة، وهي لم تمانع إعطاء نفسها فرصة لسبر نيّات أنقرة، ومعرفة ما إذا كانت جديّة أو لا. إلّا أنه عقب اجتماع وزراء دفاع كلّ من سوريا وتركيا وروسيا في موسكو، في 28 كانون الأوّل الماضي، والذي وصفتْه الأطراف كلّها بـ«الإيجابي»، ظهر أن هناك تعثّراً في هذا المسار، وهو ما تُرجم في عدم انعقاد لقاء آخر، لا على مستوى وزراء الدفاع ولا على مستوى وزراء الخارجية، ومن ثمّ إلغاء اجتماع كان سيُعقد في العاصمة الروسية، يومَي 15 و16 آذار، على مستوى نواب وزراء خارجية الدول الأربع، على رغم ما أثاره الحديث عن ذلك الاجتماع من تساؤلات من بينها حول ما يتّصل بكيفية انتقال التنسيق من وزراء الدفاع، إلى نواب وزراء الخارجية، وليس مثلاً إلى وزراء الخارجية. أمّا الخبر اليقين فجاء من الرئيس السوري نفسه، الذي قال، على هامش زيارته لموسكو قبل أيام، إن أيّ لقاء مع إردوغان لا معنى له إذا لم يرتبط بشرط الانسحاب التركي الشامل من سوريا، والقضاء على الجماعات الإرهابية. وأنبأ الموقف المتقدّم باعتقاد دمشق أن الرئيس التركي أراد «صورة» اللقاء مع الأسد، كورقة اقتراع انتخابية قويّة لمصلحته، وأنه ليس ثمّة سبب للوثوق بأنقرة «حتى في ظلّ وجود ضمانات روسية وإيرانية»، لأن أحداً «لا يضمن إردوغان لعدّة أيام»، كما قال الرئيس السوري. من هنا، بدا أن فعالية الضغط الروسي على تركيا للتنازل في الملفّ السوري تقف عند حدود أولويّة حاجة موسكو إلى أنقرة في الصراع الدائر على الأراضي الأوكرانية ضدّ الغرب.
المعارضة بديلاً؟
اليوم، لم يتبقّ على الانتخابات الرئاسية سوى شهر ونصف شهر، فيما بات واضحاً أن المصالحة مع سوريا ستكون مؤجَّلة إلى ما بَعدها، وبالتالي مرتبطة بنتائجها. فإذا بقي إردوغان في السلطة - وقد يبقى -، فهو سيَعدّ ذلك انتصاراً على كلّ العالم المعادي له، وفي الحالة السورية، يُحتمل أن يشدّد موقفه من شروط السلام، وإنْ بات محسوماً أن هذا الأخير لن يتمّ من دون انسحاب الجيش التركي، وضرْب الجماعات الإرهابية، وتوقيع اتّفاق أمني متوازن (أو تعديل «اتفاق أضنة» الذي لا يؤمّن بصيغته الحالية توازناً كهذا، بالنظر إلى أن التهديد كان، على مدى الأعوام الـ 12 الماضية، من الداخل التركي في اتّجاه سوريا وليس العكس)، بينما من دون تحقيق هذه الشروط، ستستمرّ الأزمة، ومعها معضلة اللاجئين، واحتمالات التفجير العسكري، مع ما تستبطنه من انعكاسات على تركيا. أمّا إذا فازت المعارضة، فإن المشهد قد يكون مختلفاً، على اعتبار أن هذه الأخيرة أبدت استعدادها للحوار مع سوريا حول مسألتَي الانسحاب واللاجئين، واللقاء مع الأسد، وإقامة «أفضل العلاقات» مع دمشق، وهو ما تستمرّ في إعلانه على رغم دأْب المنابر الموالية للحكومة على وصْف المعارضة بـ«الأطلسية» الهوى، بهدف تخويف الحكومة السورية منها، على ما يبدو.