لندن | بينما تتكرّس حالة من الجمود النسبي على الجبهات في أوكرانيا، يبحث رُعاة نظام كييف عن وسائل تسمح للجيش الأوكراني باستعادة زمام المبادرة في مواجهته مع الجيش الروسي. وتقاطعت عدّة عواصم غربية، الآن، عند مقترح إرسال عربات هجومية مدرّعة، بما يشمل الدبّابات الغربية المتطوّرة إلى أوكرانيا، إلّا أن سياسة الحلفاء الذين تقودهم الولايات المتحدة تجاه ذلك، تبدو، حتى اللحظة، نِتاج مشاورات ثنائية بين العواصم المعنيّة أكثر منها سياسة عامّة. وكانت فرنسا قد أعلنت، الأسبوع الماضي، عزمها تزويد كييف بعدد غير محدَّد من العربات المدرّعة من طراز (إيه. إم. إكس - 10) المعروفة بـ«قاتلة الدبابات»، والتي يصنّفها الخبراء كدبابة خفيفة. وجاء الإعلان الفرنسي بعد مكالمة هاتفية بين الرئيسَين الفرنسي إيمانويل ماكرون، والأوكراني فلودومير زيلينسكي، وإثر زيارة قام بها وزير الدفاع الفرنسي إلى كييف. ومع أن القيمة العسكرية لهذه الخطوة قد تكون محدودة، إلّا أن تأثيرها السياسي ربّما يكون كبيراً، كونها تُحرج الحلفاء الآخرين المتمنّعين، ولا سيّما ألمانيا التي لا تريد أن تكون السبّاقة في كسْر مستوى جديد من التحدّي مع موسكو، من خلال تزويد الأوكرانيين بأسلحة من النوع المذكور. وكان المستشار الألماني، أولاف شولتز، أكد، مراراً، أن برلين لن تمضي بمفردها في تزويد كييف بالأسلحة الهجومية الثقيلة، علماً أن الأخيرة تلقّت من «حلف شمال الأطلسي» سابقاً دبّابات من تصنيع سوفياتي قديم كانت تتوفّر لدى بولندا، لكنها بدت عديمة القيمة في مواجهة الدبّابات الروسية الحديثة. على أن خطوة باريس الأحدث غيّرت، على ما يبدو، ديناميات القرار بشأن إرسال الدبّابات في غير ما عاصمة معنيّة. وسبق لأنالينا بيربوك، وزيرة خارجية ألمانيا، أنْ ألمحت إلى أنه في حال غيّرت فرنسا والولايات المتحدة من سياستَيهما بهذا الشأن، فإن ألمانيا ستلتحق بهما. وبالفعل، فإن متحدّثاً باسم البيت الأبيض أعلن، الأسبوع الماضي، أن «ألمانيا والولايات المتحدة سترسلان عربات قتالية مدرّعة إلى كييف، لتدعيم القدرات الهجومية للجيش الأوكراني». وجاء ذلك بعد حديث هاتفي بين شولتز والرئيس الأميركي، جو بايدن، أعرب فيه الزعيمان عن «تصميمهما المشترك على مواصلة تقديم الدعم المالي والإنساني والعسكري والديبلوماسي اللازم لأوكرانيا طالما دعت الحاجة» وفق المتحدّث نفسه، الذي أضاف أن «البلدَين يخطّطان لتدريب القوّات الأوكرانية على الأسلحة الجديدة». ولم يحدّد المسؤول الأميركي نوعية المدرّعات الألمانية، لكن الخبراء يقولون إن الولايات المتحدة تضغط على ألمانيا لإرسال دبّابات من طراز «ليوبارد - 2»، وعربات مشاة مدرّعة من طراز «ماردر»، متذرّعةً بمبادرة باريس لإرسال «قاتلة الدبّابات». ونقلت الصحف عن مطّلعين على المداولات الأميركية - الألمانية قولهم إن «المستشار الألماني أُجبر على التصرّف إثر خطوة ماكرون المفاجئة».
الولايات المتحدة تضغط على ألمانيا لإرسال دبّابات من طراز «ليوبارد - 2»


ويطالب النظام الأوكراني، حلفاءه الغربيين، بتزويده بالدبّابات الهجومية وأنظمة الدفاع الجوّي المتطوّرة، لتحسين قدرته على القتال عبر خطّ جبهة طويل يمتدّ من الشمال إلى الجنوب. ويمكن للدبّابات الهجومية ومركبات المشاة المدرّعة الغربية الحديثة أن تلعب دوراً حيوياً في مساعدة القوّات الأوكرانية على تحقيق مكاسب على الأرض، في منطقة مكتظّة بالأسلحة والتحصينات والإنشاءات، بينما ستساعد أنظمة الدفاع الجوّي أرض - جوّ المتطوّرة على تحدّي الهيمنة الروسيّة شبه التامّة على سماء أوكرانيا. وتطمح كييف إلى الحصول على دبّابات قتال قياسية يستخدمها حلف «الناتو»، مِن مِثل «إم 1 – أبرامز» الأميركية، أو «ليوبارد - 2» الألمانية، كما نظام «باتريوت» للدفاع الجوّي. على أن قادة «الناتو» أحجموا عن ذلك حتى الأسبوع الماضي، بسبب مخاوف بشأن التورّط بشكل مباشر في الحرب مع روسيا، إضافة إلى مصاعب تقنيّة ولوجستية تتعلّق بتدريب الكوادر واستدامة عمليات صيانة المعدّات المتطوّرة التي لم يستخدمها الأوكرانيّون مِن قَبل.
لكن الولايات المتحدة تريد الآن دفْع الأمور قدماً. ومن المقرّر - وفق تصريحات صادرة عن وزارة الدفاع الأميركية - أن يصل حوالي مئة من جنود الجيش الأوكراني إلى قاعدة «فورت سيل» في أوكلاهوما لبدء التدريب على كيفية تشغيل نظام «باتريوت»، الذي يُتوقّع أن يوفّر حماية أفضل للعاصمة كييف التي تتعرّض لهجمات صاروخية روسية متكرّرة أفقدتْها معظم بنيتها التحتية. كما يجري الحديث عن تزويد أوكرانيا بدبّابات من طراز «إم 1 – أبرامز» التي تتوفّر لدى القوات الأميركية المتمركزة في ألمانيا وعدّة دول أوروبية. ونقلت الصحف الألمانية عن روبرت هابيك، وزير اقتصاد ألمانيا ونائب مستشارها، قوله: «لقد كيّفنا دعْمنا للجيش الأوكراني دائماً بناءً على الوضع الكلّي، ولا شكّ في أن القرار الفرنسي بتوريد أسلحة مدرّعة خفيفة، وعزم الولايات المتحدة الواضح على السير في هذا الاتّجاه، سيؤثّران حتماً على الموقف الألماني». وفي الاتّجاه نفسه، قالت مصادر دفاعية متقاطعة تحدّثت إلى وسائل الإعلام في لندن، إن المملكة المتحدة تقيّم بجدّية إمكانية تزويد الجيش الأوكراني بدبّابات من طراز «تشالنجر - 2» الهجوميّة الثقيلة البريطانية الصنع. وشاركت بريطانيا بفاعلية في دعم الجيش الأوكراني، وزوّدته بالأسلحة المضادّة للدبّابات وأنظمة المدفعية والصواريخ القصيرة المدى والمركبات المدرّعة، إضافة إلى التدريب المستمرّ والدعم المالي للمجهود الحربي ضدّ روسيا، لكن «تشالنجر - 2»، إن سُلّمت لكييف، فستكون نقلة نوعية من صيغة تدعيم عمليات الدفاع إلى وضع تمكين الهجوم. على أن الأوكرانيين يفضّلون، مع ذلك، الحصول على «ليوبارد - 2» الألمانية التي تستخدمها ثلاثة عشر من الجيوش الأوروبية، ما يعني فرصاً أكبر للحصول على خدمات التّدريب والصيانة من عدّة دول مجاورة، في حين يقتصر استخدام «تشالنجر - 2» على الجيش البريطاني (والعُماني) فحسب، وهي تقنيّاً أكثر تعقيداً، ما قد يخلق مصاعب لوجستية حقيقية للأوكرانيين.
وفي وارسو، الحليف الأكثر حماساً لدعم كييف، قال رئيس الوزراء البولندي، ماتيوس مورافيتسكي، إن بلاده «تُجري محادثات مع عدّة عواصم بهدف تشكيل توافق عريض بشأن تسليم دبّابات هجومية غربية إلى كييف»، فيما أكد مستشار للرئيس البولندي أن بلاده «مستعدّة»، في حال توافُق الحلفاء، لإرسال عشر دبّابات تمتلكها من طراز «ليوبارد - 2» الألمانية الصنع إلى كييف. ومن المفترض الآن أن المشاورات لبناء مِثل هذا التوافق تَجري على قدم وساق، بغرض الوصول إلى سياسة موحّدة، يريد الأميركيون الإعلان عنها خلال اجتماع للدّول الخمسين التي تقدّم مساعدات عسكرية لأوكرانيا، من المقرّر عقْده في 20 كانون الثاني الحالي. وبحسب الخبراء، فإن إرسال الدبّابات الغربية المتطوّرة وبطّاريات «الباتريوت»، على أهمّيته الفائقة للعمليات العسكرية الحالية، إلّا أنه غير كافٍ بعدُ لقلب التوازن القائم، وسيطيل من أمد النزاع، وربّما يرفع من تكلفته على الجانب الروسي من دون أن يمكّن كييف من استعادة أراضيها التي أعلنت موسكو ضمّها. وتفتقد أوكرانيا إلى سلاح جوّي فاعل يمكّنها من قطْع طُرق الإمداد الروسية الطويلة، كما تحتاج إلى صواريخ هجومية و«درونز» ذات مدى طويل للانتقال إلى وضع الهجوم.
من جهتها، تراقب موسكو الإعلانات الغربية بخصوص تسليح أوكرانيا. وهي اعتبرت، على لسان أناتولي أنتونوف، سفيرها لدى واشنطن، عزْم الولايات المتحدة تسليم الجيش الأوكراني بطّاريات دفاع جويّ متقدّم «تأكيداً آخر لمشاركة واشنطن الفعلية في الصراع الأوكراني إلى جانب المجرمين النازيين في كييف»، مضيفة أن «الولايات المتحدة مستمرّة في جهودها لإلحاق أكبر قدْر ممكن من الأذى بروسيا باستخدام الأوكرانيين». ومع ذلك، فإن الجيش الروسي سيجد الفرصة سانحة لاختبار قدرته على التعامل مع الأسلحة الغربية المتطوّرة لأوّل مرّة مباشرة، وفي نطاق ملعب قتال مسيطَر عليه نسبياً.