قبل أن يقرّر «المجلس الأعلى للثورة الثقافية» في إيران، تجميد دوريات الشرطة الدينية التابعة له، والتي تسهر على تطبيق قواعد سلوك مِن مِثل فرْض ارتداء الحجاب، لم تكن تلك القواعد تنفَّذ بشكل صارم، بل كانت كثير من النساء الإيرانيات يضعن غطاء الرأس ليغطي نصف شعرهنّ، ولم تكن العباءة مفروضة من الأساس.ما جرى الحديث عنه في اليومين الماضيين، لم يكن قراراً من المدّعي العام الإيراني، محمد جعفر منتظري، بحلّ تلك الشرطة، وفق ما أعلن بنفسه أول من أمس، قائلاً رداً على سؤال في هذا الشأن إن «السلطة القضائية لا علاقة لها بدوريات الإرشاد. والجهة التي أسّستها، المجلس الأعلى للثورة الثقافية، هي التي اتّخذت قراراً بتجميد عملها». والمجلس الذي تأسّس في عهد آية الله الراحل الخميني، لا يمكن أن تُنقض قرارته إلّا من قِبَل المرشد الأعلى للثورة الإسلامية. كما أعلن منتظري أن «مجلس الشورى والسلطة القضائية يعملان على مراجعة القانون الذي يَفرض على النساء وضْع غطاء الرأس».
وتأتي هذه الإجراءات كنتيجة طبيعية لتجربة تلك الشرطة التي تأسّست في عام 1983، وأعيد تفعيلها في عام 2005 في عهد الرئيس الأسبق محمود أحمدي نجاد، بحيث صارت تحتاج إلى إعادة تقييم بعد كل تلك السنوات، خاصّة أن الأخطاء في التطبيق تكثر مع الوقت، كما حدث عند احتجاز المواطنة مهسا أميني التي توفّيت في الاحتجاز. ويأتي التجميد كتحصيل حاصل؛ فالشرطة الدينية أصبحت أكثر حذراً بعد حادثة أميني، التي أعطت سبباً إضافياً للتراخي في تطبيق قواعد السلوك، بحيث يفيد زوار إيران بأن الناس يتصرّفون على طبيعتهم في الأماكن العامة، بحيث صار يمكن مشاهدة نسبة معيّنة من النساء اللواتي لا يرتدين الحجاب.
أعلن روبرت مالي أن الولايات المتحدة تريد التركيز على دعم الاحتجاجات في إيران، عوضاً عن إحياء الاتفاق النووي معها


وقبل التظاهرات التي بدأت في إيران بوقت طويل، كانت مسألة قواعد السلوك، وتحديداً ارتداء الحجاب، مثار نقاش داخلي، بين من يرى أن تطبيق تلك القواعد يساهم في الحفاظ على هوية الثورة، وبين من يرى أن لا جدوى من التطبيق القسري الذي يمكن أن يرتد سلباً على الثورة نفسها. وفي الأساس، لم تكن تلك القواعد خاصة بالنساء، وإنّما تطاول الرجال أيضاً الذين يُمنع عليهم القيام بسلوك معيّنة مثل تسريحات الشعر غير المناسبة. ومعروف عن المرأة الإيرانية قوّتها وحضورها في المجتمع وليس فقط في مؤسّسات وأجهزة الدولة. وحتى في ظلّ تطبيق تلك القواعد، كان الأمر يقتصر على اقتياد منتهكيها إلى مركز إصلاحي تابع لـ«الإرشاد» للاستماع إلى محاضرة دينية ثم يتمّ إطلاق المنتهِك بعد ذلك، بحضور أحد أفراد عائلته. إلّا أن ما حدث بعد التظاهرات هو استغلال خارجي سعى إلى تصوير الأمر على أنه اضطهاد للمرأة في إيران، وساهمت فيه الولايات المتحدة وإسرائيل ودول خليجية، ومُولت لأجله قنوات تلفزيونية ومنصات إلكترونية، بهدف تعميم الفوضى في البلد، لاسيما وأن ذلك الاستغلال يترافق مع محاولات إثارة اضطرابات مسلّحة في المناطق العربية والكردية والأذرية وغيرها. ولم تخفِ الولايات المتحدة نيّاتها تجاه إيران، إذ أعلن المبعوث الأميركي الخاص إلى إيران، روبرت مالي، أن بلاده تريد التركيز الآن على دعم الاحتجاجات في هذا البلد، عوضاً عن إحياء الاتفاق النووي معه.