لندن | تتعرّض أحزاب المعارضة في فنزويلا إلى ضغوط شديدة من راعيتها الأميركية لدفعها نحو التخلّي عن مشروع حكومتها المؤقّتة التي كانت «شكّلتها» عام 2018، على خلفيّة مزاعم بحصول تزوير في انتخابات رئاسية جُدِّد فيها للزعيم البوليفاري، نيكولاس مادورو، لولاية ثانية. وعُلم في كاراكاس أن أربعة أحزاب مكوِّنة لـ«تحالف المعارضة» ناقشت بالفعل خطّة «دفن» هذه الحكومة، والتخليّ عن اعتبار خوان غوايدو، زعيمها، «الرئيس الشرعي المؤقت» للبلاد. وبحسب التقارير المتوافرة حتى الآن، فإن ثلاثة منها، هي: «بريميرو جوستيسيا»، «أكسيون ديموقراطيكا» و«أون نويفو تيمبو»، أيّدت هذه الخطوة، وحصلت على موافقة قواعدها للمضي قُدُماً فيها، فيما أعلن ناطق باسم «التجمّع الشعبي» - الحزب الرابع في التحالف - والذي يتزعّمه غوايدو، أن «ثمّة نقاشات دارت، ويبدو أن هناك خلافات في وجهات النظر بين مؤيّد ومعارض». على أن محصلّة هذه الخطوة ستكون اعترافاً ضمنيّاً ونهائيّاً بشرعية مادورو. من جهته، رفض ناطق باسم غوايدو تأكيد وجود توافق كافٍ حول حلّ الحكومة المؤقتة، إلّا أن الصحف المحليّة نقلت عن شخصية بارزة في التحالف تأكيدها وجود قناعة تامّة بين غالبيّة المعارضين بأن «شخصيّة غوايدو والحكومة المؤقتة، كليهما أفكار غير واقعيّة»، وبأنه «تقرَّر إعادة تصميم كل شيء من دون اعتبار غوايدو رئيساً مؤقّتاً»، على أن يصدر القرار في غضون أسبوعين.
ستحاول واشنطن إعادة تأسيس قنوات تواصل مع كاراكاس، لتعويض النقص في المعروض النفطي

في هذا الإطار، أعلنت وزارة الخارجية الأميركية أن واشنطن لا تزال تعترف بغوايدو «رئيساً مؤقتّاً» للبلاد، و«تنسّق الأنشطة مع إدارته»، لكنّها أفادت أنها تنسّق أيضاً مع تحالف المعارضة للوصول إلى «أنجع السبل لاستعادة الديموقراطية في فنزويلا». وبحسب خبراء في الشأن الفنزويلي، تمثّل هذه الخطوة إقراراً ولو متأخّراً بفشل المشروع الأميركي لإطاحة مادورو. وكانت الولايات المتحدة فرضت على ما يقرب من 50 دولة من حلفائها الاعتراف بغوايدو وحكومته، وسحْب الاعتراف من سلطات كاراكاس، لكن هذه التجربة تحوّلت، مع الوقت، إلى موضوع تندّر في الأوساط الديبلوماسية.
على أن دافع الولايات المتحدة للتخلّي عن هذه التجربة المحرجة في هذه المرحلة يبدو براغماتيّاً، ومرتبطاً أساساً بمحاولة واشنطن إعادة تأسيس قنوات تواصل مع الحكومة البوليفارية، سعياً منها لتعويض النقص في المعروض من النفط؛ إذ تعاني الدول الغربية من صعوبات في توفير إمدادات كافية من النفط (والغاز)، بعد قرارها مقاطعة النفط الروسي لمحاصرة موسكو اقتصادياً، بسبب حربها في أوكرانيا. من جهتها، تمتلك فنزويلا أكبر مخزون نفطي في العالم يمكّنها من تصدير 3 ملايين برميل يوميّاً، لكن عمليات استخراج الخام وتصديره تعرضّت لصعوبات جمّة نتيجة الحصار الأميركي المفروض على البلاد، والذي تضمّن حظراً على شراء النفط، ومنعاً لتصدير قطع الغيار اللازمة في عمليات تشغيل مصافي التكرير. وفي ما لو قرّرت المضيّ قُدُماً بقرارها، سيتعيّن على الولايات المتحدة تالياً رفع تلك العقوبات كي يتسنى لها استئناف تجارة النفط مع فنزويلا. لكن الأخيرة لا تبدو في عجلة من أمرها، خصوصاً أنها تتوقّع الحصول على المزيد من التنازلات من الغرب. وتجدر الإشارة إلى أن واشنطن كانت صادرت أصولاً فنزويلية واحتجزت الديبلوماسي الفنزويلي أليكس صعب، فيما امتنعت لندن عن إعادة الذهب الذي كان مودعاً لديها إلى كاراكاس. ولا شكّ في أن كاراكاس تريد أن ترى تقدُّماً في هذه الملفات، لا سيما وأنها بنت، في ظلّ الحصار الغربي، علاقات ممتازة مع روسيا والصين وإيران، ولا يهمّها الإيحاء بأنها على وشك التخلّي عنهما.