ما السبيل لإسقاط «النظام الكليبتوقراطي»؟ يثير ما يجري في إيران من أحداث متتابعة منذ وفاة الشابة مهسا أميني، شهيّة المحلّلين الغربيين، الذين وجدوا في الحدث مقدّمة لتجاوز البلاد النظام الذي أرسته الثورة الإسلامية بعد أربعة عقود من قيامها. ولئن كان في ما تقدَّم مبالغة فاقعة، فهي تستبطن ما يبتغيه الغرب، وفي مقدّمه الولايات المتحدة، من نتيجةٍ للتظاهرات التي بدأت مطلبيّة، احتجاجاً على الدور الملتبس لـ«شرطة الأخلاق»، وإلزامية الحجاب في النظام الإسلامي، وتحوَّل بعضها إلى المطالبة بالانعتاق من «نظام كليبتوقراطي مترامي الأطراف ومتجذّر بعمق» بات يواجه، اليوم، أخطر تحدٍّ بعدما «فقد شرعيته بعد عقود من القمع السياسي وسوء الإدارة الاقتصادية والفساد الممنهج»، على حدّ تعبير نايت سيبلي، في مركز «هادسِن».على أن الإكثار من الأطباق الجاهزة والطرق المُجرّبة، لا يُنتِج دائماً حلولاً سحرية وسريعة؛ لكن ما لدى أميركا من سُبل و«قصص نجاح» في غير مكان، يبيح لها، من دون كلل، تجريب المجرّب مرّة بعد أخرى. بالنسبة إلى البعض، يمثّل ما يجري في إيران «بداية نهاية الجمهورية الإسلامية»، إذ تدقّ الاحتجاجات الحالية «ناقوس موت النظام»، والتقدير لمسيح علي نجاد، في «فورين أفيرز». وترى الكاتبة أن موجة التظاهرات الحالية مختلفة تمام الاختلاف عمّا شهدته إيران من احتجاجات في أعوام 2009 و2017 و2019، كونها «تجسّد الغضب الذي تشعر به النساء والشباب الإيراني تجاه نظام يسعى إلى خنْق رغباتهم. كما أنها تَعِدُ بقلب المؤسّسة الإيرانية رأساً على عقب».
«يقال إن الثورات تلتهم أبناءها، لكن في إيران الأحفاد يلتهمون الثورة» (المقصود الإسلامية)، وفق وصف الكاتبة التي تذكّر بأن الجمهورية الإسلامية تقوم على ثلاث ركائز أيديولوجية، هي: «المعارضة الشديدة للولايات المتحدة، والعداء لإسرائيل، والكراهية المؤسِّسة للنساء». ركائز، إذا ضعفت إحداها، «يَسقط صرح الجمهورية الإسلامية بأكمله». وإذا كان في ذلك قفز سريع إلى النتائج المؤمّلة، تلفت علي نجاد إلى أن «طهران بحاجة إلى إبقاء العداء قائماً مع الولايات المتحدة وإسرائيل للحفاظ على شعلة الثورة متّقدة. وكما العداء لأميركا متجذّر في هوية الجمهورية الإسلامية، فإن تطبيق قواعد اللباس بالنسبة إلى المرأة يُعدّ خطّاً أحمر للقيادة الدينية»، مشبّهةً مسألة إلزامية الحجاب في النظام الإسلامي الإيراني، بـ«جدار برلين بالنسبة إلى الشيوعية، وهو رمز ليس فقط للقوّة والقدرة على التحمُّل، بل رمز للضعف أيضاً... وبمجرّد سقوط جدار برلين، حُكم على الشيوعية بالفشل. المصير نفسه ينتظر الجمهورية الإسلامية بمجرّد أن تتمكّن المرأة من خلْع حجابها والمشاركة في الحياة الاجتماعية كما يفعل الرجل». على أن معركة النظام الشاقة تكمن في «محاولته السيطرة على جيل شاب يريد التغيير الاجتماعي وعلاقات أقوى مع الغرب»، إذ إن «الشباب الإيراني يريد الحريات والخيارات المتاحة للشباب في الغرب. لا يمكن الجمهورية الإسلامية الانصياع لهذه الرغبات من دون تقويض سلطتها، لذلك تصدّت لهذه الموجة من الاحتجاجات بعنف».
الوقت حان لـ«تشجيع الشعب الإيراني على تحقيق تطلعاته الديموقراطية»


أيُّ دور لأميركا
إزاء كلّ ما تقدَّم، تنصح الكاتبة إدارة الرئيس الأميركي، جو بايدن، بالإشادة بـ«الطموحات الديموقراطية للشعب الإيراني، وبتجاوُز تركيز البيت الأبيض الضيّق على القضية النووية، للمطالبة باحترام حقوق الإنسان»، لأن الوقت قد حان لـ«تشجيع الشعب الإيراني على تحقيق تطلعاته الديموقراطية». ولهذه الغاية، تدعو علي نجاد الحكومة الأميركية وحلفاءها الأوروبيين الموقّعين على الاتفاق النووي، إلى وقْف التفاوض مع الجمهورية الإسلامية طالما أن السلطات الإيرانية تقمع الاحتجاجات وتخنق الإنترنت، مقترحةً أن تُدخِل الولايات المتحدة بند «احترام حقوق الإنسان» كشرطٍ لمواصلة المحادثات؛ والكونغرس إلى «رفض الإفراج عن الأموال الإيرانية المجمّدة في المصارف الأجنبية». ويمكن واشنطن أيضاً، وفق الكاتبة، «العمل مع ستارلينك لتزويد الإيرانيين بالإنترنت المجاني والآمن»، فضلاً عن «إنشاء الحكومة الأميركية طريقة خاصّة معفاة من العقوبات لصرف الأموال الإيرانية المجمّدة، للعمّال المضربين داخل إيران. فمِثل هذا الدعم من شأنه أن يشجّع الضربات التي انتشرت في أجزاء من إيران، وأن يؤدّي إلى تقارب الحركات العمّالية والسياسية التي ستشكّل مجتمعةً تهديداً كبيراً للجمهورية الإسلامية».

لا تنسوا الأقليات
ولمّا كانت الغاية في كلّ ما سبق من تحليل مستفاض، الخلاص من النظام الإسلامي، فإن هناك مَن يريد، منذ بدء الحركة الاحتجاجية في إيران، إلباسها لبوساً قوميّاً وعرقياً. من بين هؤلاء رحيم حميد، وروث رييلغر اللذَان ركّزا في «معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى»، على «الشعوب غير الفارسية التي تطالب بالحرية والاعتراف بحقوقها القومية».

وبحسبهما، «يصبّ النظام انتقامه الوحشي في المناطق التي تتركّز فيها الأقليات القومية غير الفارسية (حوالى 90% من القتلى هم من الأقليات العرقية). فشنّ النظام (مثلاً) في محافظة كردستان الإيرانية الواقعة في شمال غربي إيران حملة انتقام سريعة ووحشية ضدّ المتظاهرين الأكراد الذين كانوا أوّل مَن انتفض بعد وفاة الشابة الكردية مهسا أميني». كذلك، استهدفت الهجمات، وفق الكاتبين، مناطق أخرى للأقليات القومية، مثل بلوشستان الواقعة في جنوب شرقي البلاد، فيما ركّزت حملات القمع على مناطق الأقليات حتى قبل انتشار أيّ احتجاجات فيها، من مثل منطقة الأحواز ذات الغالبية العربية في جنوب غربي إيران. ويلفت حميد ورييلغر نظر «المجتمع الدولي» إلى هذا الواقع، خصوصاً في ظلّ تركيزه اهتمامه على «شجاعة الفتيات والنساء الإيرانيات»، من دون أن يولي «مسألة أعراق ضحايا الاحتجاج واستجابة النظام العنيفة إلّا اهتماماً ضئيلاً، على رغم أن أميني نفسها والضحايا الآخرين الذين قتلوا أو اعتقلوا نتيجة جهود النظام المتصاعدة لسحق الاحتجاجات هم بمعظمهم من الأقليات».