لا تزال مسألة الضمانات تُشكِّل عائقاً أمام إحياء الاتفاق في شأن برنامج إيران النووي، وفق ما أظهرته تصريحات المسؤولين الإيرانيين، في اليومَين الماضيَين، جنباً إلى جنب استكمال «الوكالة الدولية للطاقة الذرية» - بدفعٍ أميركي وغربي - الضغط في ملفّ المواقع الإيرانية غير المصرّح عنها. وربطت الجمهورية الإسلامية، صراحةً، التوصُّل إلى اتفاق مع القوى الغربية، بإقفال الوكالة ملفّ المواقع الثلاثة التي يُقال إنه عُثر فيها على آثارٍ ليورانيوم مخصّب. وعلى رغم بلوغ عمليّة التفاوض بين الجانبين عتبةً متقدِّمة، تثير القضيّة الآنفة توتّراً متزايداً بين أطراف «النووي»، وخصوصاً في ظلّ تسييس هذا الملفّ، وفق ما تعتقد إيران، ودعوة الولايات المتحدة هذه الأخيرة، إلى التعاون مع الهيئة الأممية لوضع حدٍّ لـ«الشكوك».وفي هذا المجال، ربط الرئيس الإيراني، إبراهيم رئيسي، إحياء الاتفاق بإقفال «الوكالة الدولية للطاقة الذرية» ملفّ المواقع الإيرانية. وقال: «في قضيّة المفاوضات، مسألة الضمانات (في إشارة إلى قضيّة المواقع غير المعلَنة) هي إحدى المسائل الجوهرية. كلّ قضايا الضمانات يجب أن يتمّ حلّها»، مؤكداً أنه «من دون حلّ قضايا الضمانات، الحديث عن الاتفاق هو بلا جدوى». وبالمثل، كرّر رئيس «منظّمة الطاقة الذرية الإيرانية»، محمد إسلامي، أمس، القول إن بلاده لن تعود إلى الامتثال للاتفاق، ما لم تغلق الوكالة ملفّ التحقيقات في شأن المواقع الإيرانية الثلاثة، معتبراً أن أسئلة الهيئة الأممية مبنيّة على «اتهامات واهية، وإعادة طرحها أداة لتخريب البرنامج النووي الإيراني... الاتفاق النووي وُلد للردّ على هذه الاتهامات، لكن الوثائق المزعومة تَخرج من الحناجر التي تنادي بتدمير صناعتنا النووية وقصفها. هذه الحناجر لأعدائنا». وفي الاتجاه نفسه، جاءت تصريحات وزير الخارجية الإيراني، حسين أمير عبد اللهيان، من موسكو، إذ طالب، خلال مؤتمر صحافي مشترك مع نظيره الروسي سيرغي لافروف، بـ«إنهاء قضيّة الضمانات مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية»، قائلاً إنه «في موضوع الضمانات، نحن بحاجة إلى نصّ أقوى وضمانات أقوى»، ولمّح إلى تلقّي طهران وعوداً أميركية شفهيّة في شأن حلّ الخلافات بين بلاده والوكالة، داعياً إلى إدراجها في الاتفاق: «ما ذُكر شفهيّاً يجب أن يُدرَج في النصّ، أي ضرورة ابتعاد الوكالة الدولية للطاقة الذرية عن السلوك السياسي وتركيزها على وظائفها». كذلك، أكّد أن «التوصُّل إلى الاتفاق ليس بعيداً من المتناول، إذا تحلَّت أميركا بالواقعيّة وقمنا بتقوية النصّ الموجود»، مبدياً تفاؤل بلاده إزاء الجانب المتعلّق برفع العقوبات المرتبطة بالبرنامج النووي. من جهته، قال لافروف إن النصّ الأخير للاتفاق النووي «يناسب روسيا تماماً»، لافتاً إلى أن موسكو تسترشد بموقف طهران. وأكد الوزير الروسي أن بلاده «بذلت كل ما في وسعها، ونحن راضون بالوضع الحالي للاتفاق المتعلّق بإحياء الصفقة النووية»، مذكّراً بأن الولايات المتحدة حاولت، العام الماضي، اتّهام روسيا بعرقلة إحياء الصفقة النووية، وهو ما «ثَبُت بطلانه».
أبدى عبد اللهيان تفاؤلاً إيرانياً إزاء الجانب المتعلّق برفع العقوبات المرتبطة بالبرنامج النووي


وأتت هذه التصريحات بينما تدرس طهران الردّ الأميركي على مقترحات تقدَّمت بها الجمهورية الإسلامية تعقيباً على مسوّدة «نهائية» عرضها الاتحاد الأوروبي بهدف إنجاز المباحثات النووية، والتوقيع على اتفاق نهائي. وفي هذا السياق، أعلن وزير خارجية الاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل، تلقّيه تعليقات من طهران وواشنطن على النصّ المقترَح للاتفاق النووي، واصفاً إيّاها بـ«المنطقية»، مؤكداً أن «هناك أرضيّة مشتركة لوثيقة تشمل تحفّظات الجميع». وكانت إيران قد كرّرت، على مدى الأشهر الماضية، طلبها إنهاء قضيّة المواقع المُشار إليها أعلاه، وخصوصاً في أعقاب إصدار مجلس محافظي «الوكالة الدولية»، في حزيران الماضي، قراراً يدين عدم تعاون طهران مع المدير العام للهيئة، رافاييل غروسي، في القضيّة. وأثارت الخطوة انتقادات لاذعة من جانب إيران التي ردّت بوقف العمل بعدد من كاميرات المراقبة العائدة إلى الوكالة في بعض منشآتها. من جهته، أكد غروسي، في حديث إلى شبكة «سي إن إن» الأميركية، الأسبوع الماضي، أن هيئته لن تغلق ملفّ المواقع غير المعلَنة في إيران بدافع سياسي، موضحاً أن «فكرة أن نعمد إلى التوقّف عن القيام بعملنا بدافع سياسي غير مقبولة بالنسبة إلينا»، ومعيداً القول إن إيران «لم تقدِّم لنا إلى الآن إيضاحات مقبولة تقنيّاً نحتاج إليها» لتفسير مسألة المواد النووية التي عُثر عليها في المواقع. وفي الموازاة، أظهر تقرير أرسله غروسي إلى الدول الأعضاء في «الوكالة الدولية»، أوّل من أمس، أن إيران بدأت بتخصيب اليورانيوم في إحدى مجموعات أجهزة الطرد المركزي المتطوّرة (آي.آر-6) التي تمّ تركيبها أخيراً في جزء يقع تحت الأرض من محطّة «نطنز».