في الوقت الذي تعلّق فيه السلطة الفلسطينية آمالاً على زيارة الرئيس الأميركي، جو بايدن، لناحية انتشالها من أزماتها الاقتصادية، وإعادة إحياء المفاوضات ولو شكلياً، تعتقد فصائل المقاومة أن بايدن لن يتمكّن من تحقيق اختراق في أيٍّ من الملفّات العالقة، هذا إذا تمّ أصلاً تجاوز حقيقة هدفه، وهو توفير أقصى الحماية لإسرائيل وليس الحدّ من سياساتها الاستيطانية، بحسب الفصائل. وفي هذا الإطار، يلفت الناطق باسم حركة «حماس»، حازم قاسم، إلى أن «كلّ الرؤساء الأميركيين وضعوا إسرائيل على رأس سلّم أولوياتهم على حساب الفلسطينيين»، مضيفاً أن حركته تقرأ الزيارة في إطار «تعزيز الانقسامات الحاصلة في المنطقة وبين مكوّنات الأمّة، وتكوين اصطفافات وأحلاف عسكرية جديدة تستهدف قوى المقاومة والقوى الصاعدة»، ناهيك عن الهدف الأكبر المتمثّل في توسيع مسار التطبيع العربي، والذي يمثّل خطراً استراتيجياً على الشعب الفلسطيني. ويَعتبر قاسم أن «تأكيد الرئيس الأميركي أنه صهيوني في بداية زيارته للمنطقة، يفضح تبنّيه الكامل للمصالح الصهيونية، ويؤكد حجم جريمة بعض الأطراف بتساوقها مع المساعي الأميركية لتشكيل تحالفات يكون الاحتلال جزءاً منها، ويكشف مدى الوهم الذي تعيشه قيادة السلطة حول إمكانية الاستفادة من المواقف الأميركية».من جهته، يرى الباحث السياسي، إسماعيل محمد، أن «السياسة الأميركية تجاه إسرائيل لا يمكن لها أن تتغيّر»، وأن «التغييرات بين الجمهوريين والديموقراطيين تتعلّق بتكتيكات إنفاذ السياسات الداعمة لإسرائيل». ويبيّن محمد، في حديثه إلى «الأخبار»، «(أننا) نقف بين منهجَين: الأول عملي ومتسرّع في خدمة الأهداف الإسرائيلية وكان دونالد ترامب أبرز ممثّليه؛ والآخر ناعم يغلّف خدمة المصالح الإسرائيلية ودعم المشروع التوسّعي بغطاء المساعدات وادّعاء الحرص على إحياء حلّ الدولتين الذي تنسفه الممارسات الإسرائيلية على أرض الواقع، فيما تشترك الإدارتان في بيع الوقت اللازم لإسرائيل لتنفيذ مخطّطاتها». وفي الاتّجاه نفسه، يقول المحلّل السياسي، أيمن الرفاتي، إن «السياسة الأميركية تجاه إسرائيل لا يمكن أن تتغيّر، وأبرز مظاهرها هو حماية إسرائيل وإرسال مساعدات عسكرية لها، واليوم تضع الإدارة الأميركية تشكيل حلف عسكري لمواجهة بعض القوى الإقليمية على رأس أولوياتها»، مضيفاً أنه وفقاً لهذه الرؤية، فإن «السعودية يجب أن تُجرّ من أذنها إلى طابور المطبّعين، خصوصاً في ظلّ الحاجة إلى إصلاح العلاقات معها لدعم سوق الطاقة العالمي الذي تأثّر سلباً عقب الحرب الأوكرانية الروسية». ويَعتبر الرفاتي، في تصريح إلى «الأخبار»، أن للزيارة «أهدافاً تكتيكية، ليس من بينها إنصاف الفلسطينيين، وأهمّها تقديم رشاوى مالية للسلطة، في مقابل دعم مخطّطات استخراج الغاز الفلسطيني من حقول القطاع عبر إسرائيل، على أمل حلّ أزمة الطاقة التي يعانيها الاتحاد الأوروبي».
تقرأ «حماس» الزيارة في إطار «تعزيز الانقسامات الحاصلة في المنطقة وبين مكوّنات الأمّة»


أمّا «الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين»، فتعدّ الزيارة «امتداداً للعدوان الإسرائيلي على الفلسطينيين»، ويقول هاني الثوابتة، وهو قيادي بارز في الجبهة: «نحن ندرك أن الهدف هو تشكيل تحالف معادٍ لقوى المقاومة ولحقوق الشعوب في المنطقة (...) المطلوب على كلّ الصعد رفْض هذه الزيارة شعبياً ورسمياً، وأن يكون هناك تأكيد على تمسّكنا بحقوق شعبنا وثوابته». ويعرب الثوابتة عن اعتقاده بأن «رزمة التسهيلات الإسرائيلية التي قُدّمت للقطاع والضفة، وتمثّلت في زيادة أعداد تصاريح العمل، وإصدار 5 آلاف لمّ شمل للعائلات، تأتي ضمن جهود إنجاح الزيارة، وفي إطار السعي لتحسين صورة الاحتلال البشعة، وتطبيقاً لفكرة بايدن حول تحقيق الهدوء، والمعروفة بـ"السلام الاقتصادي" أو "الأمن مقابل الاقتصاد"».
وإذ يرى المحلّل السياسي، حسام الدجني، أنه «من المنطقي أن يُطرح إحياء عملية السلام ضمن أجندة الزيارة»، إلّا أنه يستدرك بأن «لا نتائج يُتوقّع تحقيقها من ذلك»، مضيفاً أن «هدف زيارة بايدن الأساسي هو البحث عن بدائل للغاز الروسي من خلال منطقة الشرق الأوسط، والملفّ الثاني متعلّق بالأمن الإقليمي وكيفية إدماج إسرائيل ضمن تحالف ضدّ إيران ومحور المقاومة». ويَعتبر الدجني أن «الحديث عن عملية السلام ليس مقصوداً به من قِبَل الأميركيين إحداث اختراق في هذا الملفّ، إنّما من أجل دفْع عجلة التطبيع مع السعودية التي ما زالت متمسّكة بموقفها المرتكز على أنه لا تطبيع مع دولة الاحتلال من دون إنهاء الصراع الفلسطيني».
من جهة أخرى، حذّر إعلاميون فلسطينيون من القفز على جريمة اغتيال الصحافية شيرين أبو عاقلة، خصوصاً بعد كشْف عدّة صحافيين إسرائيليين أن السلطة في رام الله دفعت ثمن الزيارة للأميركيين سلفاً، بإغلاق التحقيق في مقتل أبو عاقلة.