موسكو | في أهمّ تطوّر ميداني نوعي خلال الأيام الماضية، بسطت القوات الروسية والشعبية المشتركة سيطرتها الكاملة على مقاطعة خيرسون جنوب أوكرانيا، البالغة مساحتها 28461 كلم مربع، والمتّصلة جنوباً بشبه جزيرة القرم الروسية، ومن الجنوب الشرقي عبر حدود الدونباس مع مناطق جنوب روسيا. وبذلك، باتت القوّة الأوكرانية المحاصَرة في مدينة ماريوبول جنوب شرق الدونباس في عزلة تامّة، وأضحى سقوط المدينة مسألة حتمية قريباً، بعد اقتراب استكمال تأمين ضواحيها من الخلايا اليمينية، علماً أن ماريوبول هي ثاني أكبر مدينة في «الجمهورية الشعبية» بعد دونيتسك، وقد سيطرت القوات الأوكرانية عليها بعد انقلاب عام 2014، وخلال الأعوام الثمانية الماضية كانت ضواحيها الشرقية من أكثر المناطق سخونة في الصراع القائم على الدونباس. وتوازياً مع مواصلتها تمشيط ضواحي ماريوبول، تمكّنت قوات دونيتسك الشعبية من استعادة 93 نقطة تجمّع سكنية، منها رافنوبول وزلاتاوستوفكا وبليجنيه، جنوب الدونباس.وبالعودة إلى خيرسون، تفتح القوات الروسية، بإسقاطها إيّاها، طريقها للوصول إلى مشارف مدينة أوديسا جنوب غرب أوكرانيا، وتؤمّن الدعم اللوجستي اللازم لاستكمال تعزيز المحاور الغربية كافة. ومن المتوقّع، في المرحلة المقبلة، أن يتركّز التقدُّم الروسي على المحور الجنوبي الغربي باتجاه أوديسا، وعلى المحور الغربي الأوسط باتجاه كيروفوغراد وتشيركاسي، انطلاقاً من وسط غرب مقاطعة دنيبروبيتروفسك، حيث تتركّز تشكيلات القوات الأوكرانية والمجموعات اليمينية في هذا المثلّث، الذي من المنتَظر أن يشهد معارك طاحنة. ومع تحرُّر أعداد كبيرة من القوات الروسية والشعبية، بات من الأسهل تأمين دخول الأسلحة الثقيلة والآليات الضخمة تمهيداً لاتّخاذ وضع الجهوزية، في حال تَقرّر دخول المدن في الاتجاهات الغربية.
ويلاحَظ، إضافة إلى ما ذُكر، تفرّع في التقدّم في الاتجاه الشمالي الغربي لتعزيز عملية تطويق العاصمة كييف، من حدود ضواحيها الجنوبية، في وقت تمكّنت فيه القوات المظلّية الروسية من تنفيذ إنزال جوي في المدينة، مستهدِفةً نقاطاً محصّنة للقطاع اليميني، ومراكز تعبئة وتجهيز للمرتزقة الأجانب، ومُستحوذةً على كمّية كبيرة من الصواريخ المضادّة للدروع من طراز «جافلين» وغيرها من الأسلحة الغربية. وفي مدينة خاركوف، تستمرّ عمليات تأمين الضواحي، من دون تنفيذ اقتحام أو توغّل، فيما استُكمل قطع الطريق السريع بين خاركوف وكييف، ليجري حالياً تأمينه من الجانبَين الشمالي والجنوبي بعمق يسمح بتقدّم القوات الروسية وتحرّكها بأمان.
شكّك زيلينسكي في التزام «الأطلسي» بالمادة الخامسة من فقرة الدفاع الجماعي


في غضون ذلك، تمكّنت القوات الروسية من إسقاط طائرتَين ومروحية لسلاح الجوّ الأوكراني، إضافة إلى 13 مسيّرة. كما دمّرت، في الساعات الـ24 الأخيرة، عدداً من المنشآت العسكرية الأوكرانية، من بينها حظائر الطائرات في مطار كراماتورسك في الدونباس. وفي الوقت نفسه، أعلن مدير الدائرة الثانية لرابطة الدول المستقلة في وزارة الخارجية الروسية، ألكسي بوليشوك، أن القوات الروسية تشرف، بالتعاون مع قوات الحرس الأوكرانية المحلية، على تشغيل محطّتَي تشيرنوبيل وزابوروجيا النوويتَين، وتضمن سلامتهما، وإبقاء مستوى الإشعاع فيهما طبيعياً، وهو ما تؤكده «الوكالة الدولية للطاقة الذرية».
سياسياً، جدَّد وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، التأكيد على أن العملية العسكرية التي تقودها بلاده في أوكرانيا، ستنتهي بعد القضاء على مَن وصفهم بـ»الراديكاليين الأوكرانيين» الذين يواصلون التصعيد في الدونباس. وفي شأن المفاوضات مع كييف، قال لافروف إنها تتركَّز على نزع السلاح في أوكرانيا وجعلها أكثر حياداً. وعلى صعيد متّصل، أعلن الكرملين أنه من الصعب مواصلة المفاوضات مع الغرب في شأن الضمانات الأمنية في صيغتها السابقة، في ضوء التغير الجذري للوضع.
بدوره، أوضح مستشار مجلس الأمن الروسي، نيقولاي باتروشيف، أن تمدُّد «الناتو» هو سبب الأزمة الأمنية، وأن بلاده كانت مضطرة لاتخاذ خطوات أمنية استباقية. وشدد على أن وجود أعداد كبيرة من المستشارين العسكريين الأجانب في أوكرانيا، يمثّل تهديداً لأمن روسيا، لافتاً إلى أنه يجب تحقيق حيادية كييف على أرض الواقع، واستثناء إمكانية انضمامها لـ»الناتو». وعلى هذه الخلفية، أقرّ الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، باستحالة الانضمام إلى «الأطلسي»، الذي جدّد انتقاده، وشكّك في التزامه بالمادة الخامسة من فقرة الدفاع الجماعي في معاهدة تأسيسه. وقال: «سمعنا لسنوات أن الأبواب مفتوحة، لكنّنا سمعنا أيضاً أنه لا يمكننا الانضمام إلى الناتو... هذه هي الحقيقة ويجب أن نعترف بها». وأضاف: «أنا سعيد لأن شعبنا بدأ يفهم ذلك ويعتمد فقط على قوته». ومع ذلك، أعرب عن أسفه لأن الحلف «الذي يبدو مذهولاً بسبب العدوان الروسي»، يرفض إنشاء منطقة حظر طيران فوق أوكرانيا.
وعلى صعيد العقوبات، فرضت وزارة الخارجية الروسية، أمس، عقوبات على الرئيس الأميركي جو بايدن، ووزير خارجيته أنتوني بلينكن، ووزير الدفاع لويد أوستن، ومستشار الأمن القومي جايك سوليفان، ومدير وكالة الاستخبارات المركزية وآخرين، إضافة إلى رئيس الحكومة الكندي. وأعلن الاتحاد الأوروبي، من جهته، حزمة رابعة من العقوبات على روسيا، تتضمّن حظر جميع المعاملات مع بعض الشركات المملوكة للدولة الروسية، وحظْر تقديم أيّ خدمات تصنيف ائتماني والوصول إلى أيّ خدمات اشتراك في ما يتعلّق بأنشطة التصنيف الائتماني لأيّ شخص أو كيان روسي. كذلك، وافق الاتحاد الأوروبي، رسمياً، أمس، على فرض عقوبات جديدة على روسيا بسبب غزوها لأوكرانيا، تشمل حظراً على الاستثمارات في قطاع الطاقة الروسي وصادرات السلع الكمالية وواردات منتجات الصلب.