نفطنا يُباع في السوق الأميركية بلغت تكلفة عقوبات واشنطن على كاراكاس نحو 130 مليار دولار

تحاول الحكومة الأميركية، كما بات يُتداول أخيراً، تعويضَ النفط الروسي المحظور، عبر اللجوء إلى ألدّ أعدائها، فنزويلا، في مقابل إغرائها برفع عقوبات كلّفتها، حتى الآن، 130 مليار دولار. مغرياتٌ لا تبدو الحكومة الفنزويلية، كما يؤكد سفيرها لدى لبنان، خيسوس غريغوريو غونساليس، في حوار أجرته معه "الأخبار"، في وارد التماهي معها، فـ"مَن يصدّق كلمةً تقولها الولايات المتحدة؟"، يتساءل. مع هذا، يكشف غونساليس أن نفط كاراكاس يُباع في السوق العالمية، كما في السوق الأميركية، مشيراً إلى أن بلاده ليست في وارد توقيع اتفاق مع واشنطن يضرّ بمصالح موسكو

بات معروفاً أن مسؤولين أميركيين زاروا العاصمة كاراكاس أخيراً، علماً أن زيارتهم تستهدف مقايضة النفط الفنزويلي بالروسي المحظور من قِبَل إدارة جو بايدن. ما هو موقف فنزويلا من هذا الطرح؟
ــ بالفعل، وصلت طائرتان أميركيتان، قبل نحو أسبوع، إلى كاراكاس، وعلى متنهما مسؤولون أميركيون جاؤوا بهدف فتح قنوات حوار مع الحكومة الفنزويلية. بالتأكيد، هم أتوا بعروض، وهو ما ترافق مع حديث في الإعلام الأميركي عن إمكانية رفع العقوبات المفروضة على فنزويلا، في مقابل أن تعوّض كاراكاس نقص النفط في السوق الأميركية، بعد قرار الرئيس جو بايدن، فرض حظر على الخام الروسي. لكن مَن يصدّق كلمةً تقولها الولايات المتحدة؟ في الحقيقة، لم تُكشَف معلومات كثيرة حول فحوى الزيارة، لكنّ حصولها في هذا التوقيت، وفي ظلّ الحملة العسكرية الروسية على أوكرانيا، وما نتج منها من أزمة نفطية، يكفي للدلالة على ما يريده الأميركيون من فنزويلا. والأميركيون، لم يتوجّهوا إلى فنزويلا فحسب، بل لجأوا أيضاً إلى إيران والسعودية. حتى الآن، يمكن القول إن المفاوضات بين فنزويلا والولايات المتحدة قد تؤدّي إلى تبادل سجناء. هناك عشرة أميركيين معتقلون في كاراكاس لأسباب سياسية، فيما تحتجز واشنطن الديبلوماسي أليكس صعب.

تعيش فنزويلا منذ ما يزيد على سبع سنوات تحت وطأة عقوبات أميركية قاسية أثّرت في قطاعات الحياة كافة، وأضرّت بالاقتصاد الفنزويلي المُعتَمِد بمجمله على صناعة النفط. هل يمكن أن نشهد، قريباً، بدء تعافي هذا القطاع، وعودة الخام الفنزويلي إلى الأسواق العالمية؟
ــ منذ عام 2015، تفرض الولايات المتحدة عقوبات على فنزويلا كلّفتها الكثير؛ حُرم أبناء شعبنا من الكهرباء وحتى من الطعام، وشُلّ قطاع النفط بشكل كامل، وجُمِّدت أصول الحكومة والشركات الفنزويلية في الكثير من المصارف العالمية. يمكنني القول إن خسائر كاراكاس نتيجة هذه العقوبات بلغت نحو 130 مليار دولار. طبعاً، أسلوب العقوبات الذي اعتمدته واشنطن هدَفَ إلى تأليب الشعب على حكومة (نيكولاس) مادورو. اليوم، بعد سبع سنوات، عادت فنزويلا لضخّ النفط في الأسواق العالمية. فالنفط نفطٌ، لا يُعرف جنسه، سواء كان إيرانياً أو فنزويلياً أو غير ذلك. ونفطنا موجود في كل الأسواق، بما فيها السوق الأميركية. الرئيس مادورو تحدّث، أخيراً، عن أن فنزويلا تنتج، راهناً، مليون برميل نفط يومياً، وهو رقم سيتضاعف في نهاية العام. كما أنه لم يخفِ أن بلاده منفتحة على كل الشركات النفطية التي تريد شراء النفط الفنزويلي، أوروبية كانت أو آسيوية أو حتى أميركية.
- تعمل فنزويلا مع إيران على تطوير وإنتاج طائرات هجومية من دون طيار


في ضوء الأحداث المشتعلة في أوكرانيا وما أرخته من تداعيات على مستوى العالم، هل يمكن أن نشهد أزمة صواريخ جديدة في أميركا اللاتينية، إذا ما قرّرت روسيا نشر بنية عسكرية في إحدى الدول الحليفة؟
ــ تتقدّم فنزويلا الصفوف الأمامية للحرب الدائرة بين روسيا والغرب، وذلك بالنظر إلى عاملَين رئيسَين: الأوّل هو التحالف الذي يجمعها مع روسيا والصين؛ والثاني أنها تمتلك أكبر احتياطي نفط في العالم. هناك نقطة على الصعيد النفسي؛ فالولايات المتحدة تعتقد بأنها مسيطرة على جميع دول العالم، لكن، وفق المعطيات الحالية، أعتقد أن الوضع مختلف، خصوصاً لناحية روسيا التي تُعتبر أعلى سلطة نووية في العالم (بناءً على التقنيات التي تستخدمها وليس عدد الرؤوس النووية)، إذ تبلغ سرعة الصاروخ النووي 67 ماش، ولا يستطيع أيّ رادار كَشْف مساره. في آخر اتصال بين بوتين ومادورو، جرى الحديث عن تعزيز الاتفاقية العسكرية التقنية الموقَّعة بين البلدين منذ 15 عاماً. وخلال الاتصال، أكد الرئيس الفنزويلي لنظيره الروسي أن كاراكاس مستعدة لدعم موسكو عسكرياً. لكن ذلك لا يعني نشْر صواريخ على أرضنا. في الحقيقة، هم لا يحتاجون إلى هذه الخطوة. روسيا تمتلك غواصات نووية من دون غواص، من طراز "بوسيدون" يمكنها المكوث في البحر لمدّة أشهر من دون أن يكشفها أيّ رادار. فإذا أراد الروس إطلاق صاروخ على واشنطن، لن يكون ذلك عبر فنزويلا. وللعلم، تعلم واشنطن بوجود هذه الغواصات في المُحيطين الهادئ والأطلسي، حتى أن إحداها وصلت، أخيراً، إلى شاطئ اللاذقية، من دون أن يستطيع أحد كشف وجودها.

إذاً، هل تعتقدون أن هناك احتمالاً لانتشار عسكري روسي في فنزويلا؟
ــ نعم، وذلك بحكم الاتفاقات العسكرية الموقّعة بين البلدين. هناك مرافق عسكرية كثيرة في فنزويلا تستقبل السفن العسكرية الروسية بشكلٍ دوري، إمّا للراحة وإمّا للتزوّد بالوقود أو لإجراء تمارين عسكرية. حتى الطائرات الروسية الاستراتيجية، تأتي إلى فنزويلا باستمرار، ولم تستطع واشنطن منع ذلك. أكثر من ذلك، أستطيع القول إن هذه الطائرات، بما فيها "أنتونوف 17"، موجودة في فنزويلا على مدار السنة، وهي تنقل خبراء روساً ومعدات لصيانة وتحديث الأسطول العسكري. وتمتلك فنزويلا، اليوم، أفضل نظام دفاعي في أميركا اللاتينية، وهو بطبيعة الحال من صناعة روسيا والصين وإيران، حتى أننا نتفوّق على كولومبيا. كذلك، اشترت فنزويلا رادارات عسكرية من الصين بديلة عن تلك الأميركية الخارجة من الخدمة بسبب العقوبات. ويأتي الخبراء الصينيون باستمرار إلى فنزويلا لصيانتها. وتعمل فنزويلا، حالياً، مع إيران على تطوير وإنتاج طائرات هجومية من دون طيار.

- يبدو أن الأميركيين سحبوا كرسي الرئاسة من تحت خوان غوايدو


هل يمكن العقوبات الأميركية على روسيا أن تقوّي العلاقات الجيّدة أصلاً بين موسكو وكاراكاس؟
ــ نعم بالطبع؛ كما حدث مع فنزويلا وإيران في السابق، حين توحّدتا ضدّ العقوبات الأميركية. الرئيس بوتين منع تصدير عدّة منتجات روسية إلى عدة دول سيعلن عنها قريباً. بالطبع فنزويلا لن تكون ضمنها. بالتالي، فإن العقوبات المفروضة على روسيا ستوطّد العلاقات بين كاراكاس وموسكو. شهدنا، منذ الأزمة التي حلّت بكاراكاس، دعمَ كثير من الدول الصديقة على الصعيدين السياسي والديبلوماسي وغيرهما. لكن الحليف الأشدّ والأقوى كان روسيا، الصين، إيران، باكستان، الهند، تركيا (بدرجة أقلّ) وغيرها. وبناءً عليه، ليس ممكناً أن توقّع الحكومة الفنزويلية اتفاقاً مع الولايات المتحدة تدعم فيه مصالح واشنطن على حساب مصالح موسكو. في العام الماضي، كانت روسيا ثاني أكبر ممول نفطي لواشنطن، بالتالي من الطبيعي أن يذهب الأميركيون بحثاً عن مصدر آخر لسدّ حاجتهم من النفط.

تفرض الولايات المتحدة عقوبات على فنزويلا، كوبا، روسيا، إيران، نيكاراغوا، كوريا الشمالية، الصين، وغيرها من الدول. برأيكم، هل يمكن القول إن مصلحة واشنطن تقتضي رفع العقوبات عن إيران وفنزويلا ــ ــ لتصغير جبهة الأعداء ومنع تمدُّدها؟ وهل يمكن هذه الدول أن تثق بالأميركيين؟
ــ لا شكّ في أن واشنطن تعي هذه النقطة، لكنّي أشكّ في أن تقوم هذه الدول الخاضعة للعقوبات الأميركية بالموافقة على التعاون مع واشنطن. نحن في فنزويلا، نتعافى شيئاً فشيئاً من تأثير العقوبات. ركنّا في قطاع النفط إلى التقنيات الروسية والصينية والإيرانية، بعدما منعتنا واشنطن من شراء قطع غيار لمصافي النفط. واستطعنا إعادة إحياء عملية النفط بشكل تدريجي. وهذا نموذج يدلّ على أن الدول تستطيع أن تسيّر أمورها من دون الحاجة إلى الولايات المتحدة وشركاتها. يمكنني أن أختصر ذلك بالآتي: نحن لسنا بحاجة إلى الولايات المتحدة.

اعترفت الولايات المتحدة بخوان غوايدو رئيساً انتقالياً لفنزويلا، لكنها، مع ذلك، أرسلت مسؤوليها ليفاوضوا مادورو وليس غوايدو. كيف تقرأون هذه الخطوة؟
ــ كثيرون تساءلوا حين علموا بأمر الزيارة: لماذا ذهب الأميركيون إلى مادورو. وهو سؤال منطقي، إذ كانوا قد اعترفوا بغوايدو رئيساً انتقالياً. ولكن، يبدو أنهم سحبوا كرسي الرئاسة من تحته. بطبيعة الحال، هذا اعتراف ضمني بالحكومة الفنزويلية تحت قيادة مادورو حتى لو رفضوا الإفصاح بذلك. غوايدو انتهى منذ زمن، حاول اللعب ولكنّه فشل. أعتقد أن الحكومة ستُلقي القبض عليه في الوقت المناسب وستُحاسبه على كل ما اقترف.

السفير الفنزويلي لدى لبنان