أعلن الرئيس الأميركي جو بايدن، مساء أمس، حظراً على واردات النفط والغاز الروسيَّين إلى الولايات المتحدة، "رداً على الغزو الروسي لأوكرانيا". وفي كلمة من البيت الأبيض، قال بايدن إن "قرارنا جاء بالتشاوُر مع حلفائنا". وأضاف: "نفرض أكبر حزمة عقوبات مؤثّرة في العالم دفعت الاقتصاد الروسي إلى التراجع"، محذّراً في الوقت ذاته من أن "قرارنا لن يكون بلا ثمن في الولايات المتحدة"، مستدركاً بـ"أنّنا نريد حماية توريد الطاقة العالمية ودعم العائلات الأميركية". تأتي هذه الخطوة بعد مطالبة عدد متزايد من المسؤولين الأميركيين بفرض حظر على واردات النفط والغاز الروسيَّين، وفق ما دعا إليه وزير الخارجية أنتوني بلينكن، والسيناتور الجمهوري ماركو روبيو، والسيناتور الديموقراطي جو مانشين، والنائب آدم ب. شيف. وعلى رغم أن أسعار النفط المرتفعة أجّجت المخاوِف إزاء التضخُّم، وأساءت إلى شعبية بايدن بين الناخبين، إلّا أن رئيسة مجلس النواب، الديموقراطية نانسي بيلوسي، أيّدت حظر استيراد النفط ورفع الضريبة الجمركية على سلع روسية أخرى "لعزل روسيا أكثر عن الاقتصاد العالمي"، مُعرِبةً، في المقابل، عن دعمها خطوات لخفض أسعار النفط، ومنها الإفراج عن كميات أكبر من الخام من الاحتياطي الاستراتيجي الأميركي. وكان مانشين والسيناتورة الجمهورية، ليزا موركوفسكي، قد قدّما، الأسبوع الماضي، مشروع قانون، من شأنه منع استيراد النفط والغاز الروسيَّين، اللذين كانا قد استثنيا إلى حدّ كبير من العقوبات. مع ذلك، تسير الولايات المتحدة وحلفاؤها على خطٍّ رفيع، بين معاقبة روسيا وإثارة ارتفاع الأسعار. فعلى الرغم من أن الولايات المتحدة تستورد أقل من 10 في المئة من نفطها من روسيا، إلّا أن الحظر قد يسرّع من إعاقة عالمية لمصادر الطاقة الروسية، ما قد يؤدّي إلى ارتفاع أسعار الغاز في الولايات المتحدة بشكل أكبر. وفي السياق، تحدّث بايدن مع قادة بريطانيا وفرنسا وألمانيا، عبر الفيديو أوّل من أمس، وأكّد الأربعة "تصميمهم على مواصلة رفع التكاليف على روسيا لغزوها غير المبرّر لأوكرانيا"، وفقاً لبيان البيت الأبيض. لكن هذا التعاون عبر الحدود توقّف عند الوصول إلى النفط. إذ أعلن المستشار الألماني، أولاف شولتز، أن بلاده لا تستطيع ببساطة إغلاق الحنفية. وقال في بيان: "أوروبا أعفت عمداً إمدادات الطاقة من روسيا من العقوبات"، مضيفاً إنه "في الوقت الحالي، لا يمكن تأمين إمدادات الطاقة في أوروبا لتوليد الحرارة والتنقّل وإمدادات الطاقة والصناعة بأيّ طريقة أخرى".
وفي إشارة إلى مدى قلق الإدارة الأميركية بشأن إمكانية تعرقل تدفّق الطاقة العالمي، يناقش المسؤولون الأميركيون إمكانية زيادة العرض أو التوزيع مع الدول المنتِجة للنفط، بما في ذلك السعودية، وفنزويلا التي تخضع لعقوبات أميركية واسعة منذ سنوات. من هذا المنطلق، سافر كبار المسؤولين الأميركيين إلى هناك، في نهاية الأسبوع الماضي، للقاء حكومة الرئيس نيكولاس مادورو. إلّا أن مثل هذه الجهود تواجه مجموعة من العقبات. إذ انتقد بعض أعضاء الكونغرس، بشدّة، أيّ مساعٍ لإعادة إحياء العلاقات مع فنزويلا، معتبرين أن "الجهود المبذولة لعزل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لا ينبغي أن تعزّز القادة الاستبداديين الآخرين". وقال السيناتور ماركو روبيو، في تغريدة: "عرَض البيت الأبيض التخلّي عن أولئك الذين يسعون إلى التحرّر في فنزويلا مقابل كمية ضئيلة من النفط". أمّا السيناتور الديموقراطي، روبرت مينينديز، فقد اعتبر، في بيان، أن استئناف تجارة النفط مع فنزويلا "يهدّد بإدامة أزمة إنسانية زعزعت استقرار أميركا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي لجيل كامل". ووصف مادورو بأنه "سرطان في نصف الكرة الأرضية، ولا ينبغي لنا أن نبثّ حياة جديدة في عهده من التعذيب والقتل".
تسير الولايات المتحدة وحلفاؤها على خطٍّ رفيع بين معاقبة روسيا وإثارة ارتفاع الأسعار


وبصرف النظر عن الأزمة السياسية التي سيولّدها استئناف تجارة النفط مع فنزويلا لمواجهة ما تعتبره الولايات المتحدة تحدّياً أكثر إلحاحاً في روسيا، يحاول الاقتصاديون تقييم الآثار المترتّبة على هذا التحدّي. ويقدّر محلّلو "غولدمان ساكس" أنه إذا وصلت أسعار النفط إلى 150 دولاراً للبرميل، فإنّها ستقلّص نصف نقطة مئوية من النموّ الاقتصادي في الولايات المتحدة للعام الجاري، حيث تؤثّر أسعار الغاز المرتفعة على الإنفاق الاستهلاكي. وهم يحذّرون من أن احتمال حدوث مزيد من التضخّم، عندما ترتفع الأسعار بالفعل بأسرع وتيرة منذ 40 عاماً، يمكن أن يزيد من احتمالات مطالبة العمال بأجور أعلى، ما يؤدّي إلى ما يسمّى بدوامة أسعار الأجور.
وكتب الاقتصاديون في "كابيتال إيكونوميكس"، في تقرير أول من أمس، أن فرض حظر واسع النطاق على الطاقة الروسية، قد يتسبّب في انكماش الاقتصاد الروسي بنسبة تصل إلى 25 في المئة، لكن التداعيات العالمية ستكون كبيرة، حيث قد تتضاعف وتيرة التضخّم في الاقتصادات المتقدّمة، كما قد تسقط منطقة اليورو في الركود.
يأتي ذلك بعدما كانت قد ارتفعت أسعار النفط بحوالى 30 في المئة على وقْع العملية العسكرية الروسية، بينما اقتربت عقود برنت الآجلة من 130 دولاراً أمس، قبل إعلان الحظر الأميركي. وبالتالي، ارتفعت الأسعار في المحطّات الأميركية إلى 4,17 دولارات للغالون، وفقاً للمعدّل الوطني لجمعية السيارات الأميركية، مقارنة بـ 3,46 دولارات قبل شهر. وفي الأثناء، أغلق مؤشّر "داو جونز" الصناعي منخفِضاً بنحو 800 نقطة، يوم الاثنين، بانخفاض بنحو 2.4 في المئة. وكان هذا أسوأ يوم في وول ستريت منذ أكثر من عام؛ إذ انخفض، أيضاً، مؤشر S&P 500 بنسبة 3 في المئة، وهو أكبر انخفاض يومي له منذ تشرين الأول 2020. كما انخفض مؤشر "ناسداك" المركّب بنسبة 3.6 في المئة، وهو الآن أقلّ بعشرين في المئة من الرقم القياسي المسجّل في تشرين الثاني، ما يشير إلى انكماش خطير.
في هذه الأثناء، أفاد مسؤولون تنفيذيون في بعض أكبر الشركات المنتجة للنفط والغاز في العالم، منها "إكسون موبايل" و"شيفرون"، بأنّهم يكثّفون إنتاجهم من الخام. إلّا أنهم حذّروا، في الوقت ذاته، من توقُّع إمدادات جديدة بين عشيّة وضحاها.