موسكو | خاطب وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، عبر الفيديو، المشاركين في الدورة التاسعة والأربعين لـ«مجلس حقوق الإنسان» في جنيف، بعدما عجزت المنظّمة الدولية عن تأمين ممرّ جوّي آمن للوزير الروسي، ليحضر إلى قاعة الاجتماع. وفي كلمته، قال لافروف، إنّ «أوكرانيا تبيّن للعيان بوضوح تبِعات النظام العالمي بقواعد الولايات المتحدة وحلفائها في مجال حقوق الإنسان». وأمل بأن «تعي القيادة الأوكرانية، خلال مفاوضاتها مع روسيا، خطورة الموقف وضرورة استقلالية تصرّفاتها». كما أطلق لافروف سلسلة مواقف نارية، دقّ خلالها ناقوس الخطر الذي يهدّد الجميع، وأكّد أنّ «روسيا لن تقبل باستمرار وجود أسلحة نووية أميركية في أوروبا»، معتبراً أنّ «الوقت قد حان لإعادتها»، وأنّ «على الغرب الامتناع عن إقامة منشآت عسكرية في جمهوريات الاتحاد السوفياتي السابق». وأشار وزير الخارجية الروسي إلى ضرورة «تخلّي الغرب عن نشر منظومات صاروخية (قصيرة ومتوسطة المدى) على تخوم الحدود مع روسيا»، مؤكّداً أنّ على «الناتو» إعادة تموضع حجم قدراته العسكرية وبنيته التحتية في شرق أوروبا، إلى وضعية عام 1997، أي تاريخ توقيع وثيقة «روسيا – الناتو» الأساس. كذلك، شدّد لافروف على أنّ بلاده «ستتّخذ التدابير كافّة لمنع أوكرانيا من حيازة الأسلحة النووية».من ناحيتها، اتّخذت وزارة الدفاع الروسية قراراً بتوجيه ضربات دقيقة إلى مراكز عمليات الحرب النفسية والإعلامية للقوات الأوكرانية، والمنشآت التقنية التابعة لأجهزة كييف الأمنية، وذلك بهدف الحدّ من الحملات الإعلامية والحرب الإلكترونية. وقال المتحدث باسم القوات المسلّحة الروسية، اللواء إيغور كوناشينكوف، إنّه «بهدف اعتراض الهجمات الإعلامية ضد روسيا ستوجَّه ضربات بواسطة أسلحة فائقة الدقة إلى منشآت الأمن الأوكراني ومركزه الرئيسي رقم 72 للعمليات الإعلامية والنفسية في كييف». ووجّه تحذيرات للمدنيين في كييف، بالابتعاد عن هذه المواقع.
أمّا في تطوّرات اليوم السابع للعملية العسكرية الخاصّة، فقد تمكّنت القوات الروسية ــــ منذ بداية العملية ــــ من تدمير 1325 هدفاً من مرافق البنى التحتية العسكرية الأوكرانية، إضافة إلى مئات الدبابات والمدرّعات. من جانبها، أعلنت «سلطات دونيتسك» إحكام حصارها لمدينة ماريوبول الساحلية، وهي آخر مدينة بحرية غربي إقليم دونباس، تمهيداً لاقتحامها، في ظلّ معلومات تفيد بانهيارٍ معنويّ للقوات الأوكرانية داخلها. وقد فتحت القوات الروسية معبرَين إنسانيين للسماح لسكّان المدينة بمغادرتها، قبل بدء عملية الاقتحام. وفي محاوِر معركة السيطرة على إقليم دونباس، أعلنت «قوات جمهورية دونيتسك» تحرير 29 بلدة ونقطة سكنية، كانت تحت السيطرة الأوكرانية. كما وصلت القوات الروسية إلى مدينة خيرسون الجنوبية، بالقرب من شبه جزيرة القرم، وأقامت نقاط تموضُع ومراقبة في محيطها. وجاء ذلك في حين أنّ المشاهد المتداولة تؤكّد دخول القوات الروسية إلى داخل المدينة. ويُذكر أنّ منطقة خيرسون تضمّ منشأة نووية عالية الأهمية، كانت محطّ اهتمام وعناية القوات الروسية لتأمين حمايتها ومنع تعرّضها لأيّ استهداف. ويتيح هذا التقدّم في جنوب غرب دونباس وصلاً برياً للمنطقة المحرّرة ببُعدها الجغرافي والديموغرافي المتّصل بروسيا مع شبه جزيرة القرم، وتأمين خطوط الإمداد والدعم اللوجستي للقوات المنتشرة على محاور التقدم في أوكرانيا كافة.
من الممكن أن تُعقد الجولة الثانية من المفاوضات الروسية ـــ الأوكرانية اليوم


في غضون ذلك، بعد الغموض الذي غطّى مصير المفاوضات الروسية ــــ الأوكرانية، واستئنافها، أعلن مساعد الرئيس الروسي فلاديمير ميدينسكي، الذي يترأّس الوفد الروسي، أنّ الجانبين اتّفقا على عقد جولة ثانية قريباً على الحدود البولندية البيلاروسية. وبحسب المعلومات المتوافرة، فإنّ من الممكن أن تُعقد الجولة الثانية اليوم، بعد وصول أعضاء الوفدين إلى العاصمة البيلاروسية مينسك، مساء أمس. وعلى الرغم من تصريح الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، بأنّ الجولة الأولى «لم تحقِّق النتائج التي تريدها أوكرانيا»، وبأنّه لا يعوّل على تلك المفاوضات، إلّا أنّه بالتأكيد سيقوم بتحليل نتائج جولتها الأولى، للبناء عليها في المرحلة المقبلة، وخصوصاً أنّ القوات الروسية باتت تقاتل داخل العاصمة كييف. وفي هذا السياق، قال زيلينسكي أمس، إنه يحتاج «إلى تلميح، على الأقلّ، حول وقف شامل لإطلاق النار، من أجل التفاوض مع روسيا».
وكانت الجولة الأولى التي بدأت، أول من أمس، قد استمرّت خمس ساعات، بُحثت خلالها، على نحو مفصّل، الملفات الموضوعة على جدول الأعمال كافة. وجرى تحديد عدد من النقاط التي تصلح لتكوين موقف مشترك بشأنها. ومن المتوقّع أن يكون أعضاء الوفدين قد استكملوا استشاراتهم مع قيادتيهم أمس. وبينما ركّز الرئيس الأوكراني على وقف إطلاق النار وانسحاب القوات الروسية، شدّد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، خلال محادثة هاتفية مع نظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون، على أنّ «التسوية بشأن الأوضاع في أوكرانيا ممكنة إذا أُخذت المطالب الأمنية والمصالح الروسية في الاعتبار». لكن دون «التسوية» المنشودة، من ناحية روسيا إجابات حاسمة عن أسئلة واضحة: هل سيعترف الغرب بسيادة روسيا على شبه جزيرة القرم؟ وهل ستحصل روسيا على اعتراف أوكراني وغربي باستقلال جمهوريتَي لوغانسك ودونيتسك الشعبيتين؟ وهل سيسحب «الناتو» أسلحته من أوكرانيا؟ لكن الأكيد هو أن من غير المجدي تحميل هذه المفاوضات أكثر ممّا يمكنها تحمّله وتحقيقه. والأهم، كما ذكر ميدينسكي، هو «الاتفاق على استئناف عملية التفاوض». وكما نقل المتحدّث باسم الكرملين، فإنّ «تحليل نتائج الجولة التفاوضية الأولى جارٍ بعد إحاطة الرئيس بوتين بتفاصيلها»، بيد أنّ بيسكوف أكد أن «من السابق لأوانه تقييمها».
على الصعيد الأوروبي، تؤشّر «هستيريا» التصريحات الرسمية إلى اشتداد المواجهة الاقتصادية والحرب التي يشنّها المحور الغربي الأطلسي على روسيا. فوزير المالية الفرنسي قال إنّ «الاتحاد الأوروبي سيشنّ حرباً اقتصادية ومالية شاملة على روسيا». كما أيّد البرلمان الأوروبي فصل روسيا عن نظام «سويفت» البنكي العالمي، وحظر أي استثمارات روسية جديدة. ونادى بتشديد العقوبات لتطال صادرات النفط والغاز الروسيين. لكن اللافت هو أنّ الأميركيين من يتحدّثون بضرورة تحييد مجالات الطاقة من العقوبات المفروضة على روسيا، وترك منافذ في نظام «سويفت» لـ«أحكام الضرورة»! الأمر الذي يُظهر تناقضاً أميركياً ــــ أوروبياً غريباً.