في المقابل، يلفت موقع «ذا هيل» (The Hill) الأميركي إلى أنه من «غير المعلوم»، على رغم التصعيد الكلامي الأميركي، ما إذا كانت الولايات المتحدة، المُشتّتة والمنهَكة جرّاء عقود من الحروب، قادرة على مواجهة «مطامع» الصين في آسيا. ولعلّ ما يعزّز تلك الشكوك هو تأكيد البيت الأبيض، قبل فترة، أن «السياسة الأميركية تجاه تايوان لم تتغيّر»، وذلك تعقيباً على ما وصفته بعض الصحف الغربية بـ«زلّة لسان» الرئيس الحالي، جو بايدن، عندما ردّ خلال مقابلة على شبكة «سي أن أن»، أواخر الشهر الماضي، على سؤال عمّا إذا كانت بلاده ستبادر إلى حماية تايوان، بالقول: «بالطبع. نحن ملتزمون بذلك». وفي أعقاب اللغط المُشار إليه، دعا وزير الدفاع، لويد أوستن، والمتحدّث باسم وزارة الخارجية، نيد برايس، تايبيه إلى «أن لا تفكّر بالاعتماد على الولايات المتحدة، في حال قرّرت إعلان استقلالها».
واشنطن غير مستعدّة
في خضمّ ذلك، لا تبدو بكين مقتنعة بجدّية التهديدات الأميركية أو صدقيّتها، وهو ما عبّرت عنه صحيفة «غلوبال تايمز»، المملوكة من الحكومة الصينية، والتي رأت أنه ما دامت «قوّة البرّ الرئيسي تزداد، والإرادة موجودة لإعادة توحيد الجزيرة، فإن واشنطن ستتخلّى في نهاية المطاف عن تايوان حتماً»، مؤكّدة جهوزية بكين لأيّ نزاع خارجي، سيكون، بحسبها، «كفيلاً باستنزاف كامل قوّة الولايات المتحدة، وهزيمتها حتى». واعتبرت الصحيفة أنه، في اللحظة التي ترى فيها واشنطن أن تكاليف دعم الجزيرة تفوق فوائده، فإنها ستتركها لمصيرها، مشيرةً إلى أنه «في عام 1949، تخلّت الولايات المتحدة عن (الكومينتانغ)، حين اعتبرت أن هذا الأخير لم يَعُد يستحقّ الدعم. ثمّ تخلّت دبلوماسياً عن جزيرة تايوان في عام 1979، لأن إقامة علاقات دبلوماسية مع البرّ الرئيسي كانت تحاكي مصالحها أكثر خلال الحرب الباردة مع الاتحاد السوفياتي. وعندما يتعلّق الأمر بالدفاع عن تايوان في حرب باهظة التكاليف ولا يمكن تجنّبها، فإن الولايات المتحدة سوف تختار أهون الشرَّين، أي عدم المواجهة. كما أن الشعب الأميركي لن يتقبّل موت جنوده بأعداد كبيرة، دعماً لانفصال تايوان».
تتخطّى رؤية بكين للسلوك الأميركي تجاه تايبيه مسألة الجهوزية العسكرية أو طبيعة السياسة المنتَهجة
وفي مقابلة أجرتها الصحيفة الصينية مع ضابط المخابرات السابق في سلاح مشاة البحرية الأميركية، سكوت ريتر، وصف هذا الأخير تلويح الولايات المتحدة بالدفاع عن تايوان، بأنه لا يتعدّى كونه «مجرّد كلمات بلا معنى»، معتبراً أنه إذا كان الأميركيون يريدون فعلاً انتهاج سياسة «الوضوح الاستراتيجي»، فسيكون عليهم تأمين الوسائل العسكرية اللازمة لها، مضيفاً أن «علينا أن نقوم بإعادة هيكلة عسكرية بالكامل، وأن نقيم علاقة دفاعية مع تايوان تسمح بنقل القوات الأميركية والتحليق بها من الولايات المتحدة إلى الجزيرة بسرعة للدفاع عنها». وذهب المسؤول، في مقابلته، أبعد من ذلك، بتحذيره من أن السيناريو الأفغاني قد يتكرّر في تايوان، قائلاً إنه «في حال اعتقدت تايبيه أن واشنطن ستأتي للدفاع عنها، فهي لن تأتي»، متابعاً أن «الحكومة التايوانية وجيشها سيَلقيان نفس مصير الحكومة الأفغانية وجيشها».
تعويل بكين... على الروح القتالية
على أن رؤية بكين للسلوك الأميركي تجاه تايبيه، تتخطّى، بحسب مجلّة «ذا ديبلومات» الأميركية، مسألة الجهوزية العسكرية، أو طبيعة السياسة المنتَهجة؛ إذ إن الصين أصبحت، بناءً على تجارب الولايات المتحدة السابقة، في فيتنام والصومال والعراق وسوريا، وأخيراً أفغانستان، على قناعة بأن واشنطن «لا تمتلك الروح القتالية الكافية للفوز في حروبها الخارجية». وتستذكر المجلّة، في هذا السياق، إرسال «جمهورية الصين الشعبية» جيشاً لمواجهة الجيش الأميركي في كوريا الشمالية في عام 1950. آنذاك، كانت قيادة «الحزب الشيوعي الصيني» مدرِكة تماماً الفروقات العسكرية والتكنولوجية والاقتصادية الهائلة بينها وبين الولايات المتحدة. وبالفعل، تكبّدت بكين، في هذه الحرب، خسائر بشرية أكثر من تلك التي تكبّدتها واشنطن خلال الحرب العالمية الثانية. غير أنه بعد ثلاث سنوات، وعلى العكس من رغبة حكومة كوريا الجنوبية في مواصلة القتال، أبرمت الولايات المتحدة هدنة مع الصين وكوريا الشمالية. وعلى إثر ذلك، بدأت تتبلور قناعة لدى الصينيين، مفادها بأن الأميركيين لا يمتلكون روحاً قتالية كافية، تسمح لهم بالاستمرار في أيّ حرب قد تُكلّفهم الكثير من الخسائر، علماً أن القيادة الصينية تَعتبر الروح القتالية للجيش أهمّ حتى من المعدّات العسكرية، وفق ما تورده «ذا ديبلومات» أيضاً. وفي حين تدرك بكين أن الانسحاب الأميركي من أفغانستان يستهدف في جزء منه، تركيز الجهود بشكل أفضل على «المنافسة» مع الصين، إلّا أن المنافسة ليست الحرب. ففي النهاية، قد تخسر الصين، بطريقة ما، السباق على لقب «القوّة العظمى» مع الولايات المتحدة، لكنها قد تسيطر، في المقابل، على الأراضي التايوانية بعد انتصار عسكري على الأميركيين، والمسألتان مختلفتان كلّ الاختلاف.
دائرة حلفاء الجزيرة تضيق
أعلنت نيكاراغوا، أمس، قطع علاقاتها الدبلوماسية مع تايوان، واعترافَها، في المقابل، بمبدأ «الصين الواحدة» الذي تمثّله حكومة بكين، لينخفض بذلك عدد البلدان التي تعترف بالجزيرة، كبلد مستقلّ، إلى 14 دولة فقط. واعتبر وزير خارجية نيكاراغوا، دينيس مونكادا، لدى إعلانه القرار، أن «جمهورية الصين الشعبية هي الحكومة الشرعية الوحيدة التي تمثّل الصين بأسرها، وتايوان جزء لا يتجزّأ من الأراضي الصينية». وتأتي هذه الخطوة في أعقاب اجتماع عُقد في مدينة تيانجين الصينية، بين نائب وزير خارجية الصين، ما زاوكسو، ووفد نيكاراغوي برئاسة ابن الرئيس دانييل أورتيغا، الذي يشغل منصب المستشار الرئاسي للاستثمارات والتجارة والتعاون الدولي، لوريانو أورتيغا موريلو، وفي وقت بلغت فيه حدّة التوتّرات بين واشنطن وبكين حول تايوان، مستويات غير مسبوقة.
وفي تعليقها على قرار ماناغوا، أصدرت الخارجية الأميركية بياناً دعت فيه «الدول التي تُقدّر المؤسّسات الديموقراطية» إلى تعزيز روابطها مع تايوان، معتبرة أن خطوة أورتيغا «لا تعكس إرادة شعبه»، وذلك من بوّابة التشكيك مرّة جديدة في نزاهة الانتخابات الرئاسية الأخيرة في البلد الواقع في أميركا الجنوبية. وفيما وصفت تايوان قرار نيكاراغوا بأنه طعنٌ بـ«الصداقة القديمة والمتينة بين الطرفين»، رحّب وزير الخارجية الصيني، وانغ يي، بالإجراء، لافتاً إلى أن «أولئك الذين لا يزالون يعترفون بتايوان يفعلون ذلك تحت ضغط دبلوماسية الدولار، وغيره من الضغوطات التي تمارسها الولايات المتحدة». كما تعجّب وانغ من فكرة أن واشنطن، وعلى الرغم من أنها أقامت، بذات نفسها، علاقات دبلوماسية مع الصين قبل نحو 40 عاماً، تعطي لنفسها الحقّ في منع البلدان السيادية الأخرى من اتّخاذ قراراتها الخاصة إزاء هذه المسألة.