اليوم، تُنهي إدارة الرئيس جو بايدن انسحاب القوّات الأميركية من أفغانستان، مُخلّفةً وراءها إرث عشرين عاماً من الاحتلال الذي أبت أن تقفل عليه إلّا بارتكاب جريمة جديدة، بعدما شنّت، أوّل من أمس، غارة بطائرة من دون طيّار أدّت إلى مقتل تسعة مدنيين أفغان، بينهم أطفال. تطوّرٌ جاء بينما كان بايدن يتوجّه إلى قاعدة جوّية في ولاية ديلاوير، للمشاركة في نقل رفات 13 جندياً أميركياً قُتلوا في الهجوم الانتحاري الذي شنّه تنظيم «داعش» على مطار كابول قبل أيام. وإذ أعلن المتحدّث باسم القيادة المركزية الأميركية بيل أوربان أن الغارة «عطّلت تهديداً وشيكاً لتنظيم الدولة - ولاية خراسان» ضدّ مطار كابول، فقد اعترف، ضمناً، بسقوط ضحايا مدنيين، بإعرابه عمّا وصفه بـ«الحزن العميق إزاء أيّ خسائر محتملة في أرواح الأبرياء». وأعقب الغارةَ الأميركية إطلاق صواريخ باتجاه المطار صباح أمس، في هجوم أكّد البيت الأبيض وقوعه، مؤكداً في الوقت نفسه أن عمليات الإجلاء «متواصلة».في غضون ذلك، نقلت «واشنطن بوست» عن مسؤولين أميركيين قولهم إن بايدن يعتزم سحب السفير الأميركي وجميع الموظّفين الدبلوماسيين من السفارة في كابول. وأشار المسؤولون إلى أن قرار إدارة بايدن بشأن ما إذا كانت ستعترف بحكومة «طالبان» أم لا، قد يستغرق بعض الوقت، موضحين أن مسألة الاعتراف بالحُكم الجديد قد تُسهم في عودة محتملة للدبلوماسيين الأميركيين إلى أفغانستان. ولفت المسؤولون إلى أن واشنطن منخرطة في محادثات بشأن الإدارة المستقبلية لمطار كابول، تشمل القطاع الخاص والشركاء الإقليميين، مِن مِثل تركيا، إضافة إلى «طالبان». وجاء هذا في وقت أفاد فيه مسؤول في الحركة بأن مسلّحيها أقاموا نقاط تفتيش وحواجز أمنية في محيط المطار، بعد تحذيرات أميركية من تدهور الوضع الأمني في المنطقة. وأعلن المسؤول «(أننا) بانتظار الإشارة الأخيرة من الأميركيين لنتولّى بعد ذلك السيطرة الكاملة على مطار كابول». وفي السياق ذاته، أكّد وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي مع نظيره التركي خلوصي أكار استمرار التواصل بين البلدين من أجل الترتيبات المستقبلية المتعلّقة بمطار كابول. وعبّر أوستن، في تغريدة له على موقع «تويتر»، عن امتنان بلاده للدور التركي الذي وصفه بـ«المهمّ وطويل الأمد في دعم المهمّة في مطار كابول».
سيترك الانسحاب من أفغانستان آثاراً بالغة السلبية على بايدن وفريقه للأمن القومي


وأتت التطوّرات المرتبطة بمطار كابول، بشكل خاص، بينما أفادت واشنطن بأن أكثر من 90 دولة تلقّت ضمانات من حركة «طالبان» بشأن خروج رعاياها من أفغانستان، بعد نهاية الشهر الحالي. وفي حين شكّكت بريطانيا في التزام الحركة بذلك، نشرت وزارة الخارجية الأميركية، على موقعها الإلكتروني، بياناً بشأن عملية الإجلاء، وقّعته الولايات المتحدة، وأكثر من 90 دولة أخرى، بالإضافة إلى الأمين العام لـ«حلف شمال الأطلسي»، ومسؤول العلاقات الخارجية في الاتحاد الأوروبي. وتضمّن البيان قائمة بأسماء الدول المعنيّة، كما ورد فيه أن الجهات المُوقّعة مصمّمة على تمكين مواطنيها في أفغانستان، والأفغان الذين عملوا معها ومَن يشعرون بوجود خطر على حياتهم، من السفر إلى خارج البلاد. وأشار البيان إلى أن حركة «طالبان» قدّمت ضمانات بالسماح لكلّ الأجانب والأفغان الذين حصلوا على رخص سفر بالوصول بشكل آمن إلى نقاط الانطلاق المحدّدة، للسفر إلى خارج أفغانستان. ولكن وزير شؤون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في وزارة الخارجية البريطانية، جيمز كليفيرلي، قال إن لدى لندن شكوكاً بشأن التزامات «طالبان» بعدم القيام بأعمال انتقامية، وتسهيل المرور الآمن لمن تبقّوا في أفغانستان. وأضاف، في مقابلة مع إذاعة محلية، أن الحكومة البريطانية ستعمل مع «طالبان» إذا وفت بوعودها والتزمت بتعهّداتها، ولن تفترض تحلّيها بحسن النية.
في المحصّلة، ستنتهي الرحلات الجوّية الأميركية، التي سمحت بإجلاء أكثر من 120 ألف شخص عبر مطار كابول، اليوم رسمياً، مع انسحاب آخر القوّات الأميركية. إلّا أن الفوضى التي صاحبت الانسحاب، تروي قصّة أخرى. وبمعزل عن الوضع على الأرض في أفغانستان، فالأكيد أن ما جرى سيترك آثاراً بالغة السلبية على بايدن وفريقه للأمن القومي في الوقت الذي سيُضاعف فيه تحفّزَ خصوم أميركا وأعداءها للمضيّ بعيداً في مواجهتها. واقعٌ تطرّق إليه العديد من المحلّلين الأميركيين، معتبرين أنه بالرغم من تكرار بايدن وضع اللوم على الاتفاق الذي عقده سلفه، دونالد ترامب، مع «طالبان»، إلّا أن التاريخ سيتذكّره على أنه أساء إلى الأفغان وإلى حلفائه الداخليين والخارجيين، بسبب طريقة سحب قوّاته.
«بايدن يترأّس رحيلاً مخزياً»، قال إيشان ثارور، في صحيفة «واشنطن بوست»، لافتاً إلى أن كلّ التطوّرات، منذ بدء الانسحاب الأميركي، تشير إلى حقيقة واحدة، وهي أن «الولايات المتحدة فشلت في هزيمة طالبان، وفشلت في إقامة ديمقراطية فاعلة في بلد أنفقت فيه كمّيات هائلة من الدماء والأموال، وفشلت في إحباط (ويمكن القول إنها ساعدت في تأجيج) انتشار الجماعات الإسلامية المتطرّفة، وفشلت حتّى في المغادرة بشروطها».