باتت هيكلية القيادة الحالية لـ«طالبان» أقرب إلى حركة سياسية وعسكرية أكثر منهجية
ولم تكن «طالبان»، قبل الإطاحة بها عام 2001، تنظيماً منسجماً وموحّداً، بل ضمّت رؤى عديدة ولاعبين عديدين. ولذا، فإن التراتبية بدءاً من القيادة العليا وصولاً إلى القيادات المحلّية، كانت تضطلع أحياناً بدور أساسي في إرساء السياسات في أفغانستان. لكن حرص «طالبان»، ضمن التفضيلات المحلّية المتدرّجة والمتطلّبات العملية، على الحصول على الاعتراف الرسمي الدولي بها، أثّر بشكل متزايد على تحرّكها باتجاه تغيير سياساتها، في ظلّ الوضع الحالي والاستيلاء على كابول. ومع هذا، فإن القيادات المحلية، قد تُغلّب، في الواقع، مصالحها وإيديولوجيّتها وتفضيلاتها المحلّية، وتَعتبرها الأهم.
عبدالغني برادار... وجه «الاعتدال»
يُعدّ الملّا أحمد بوبلزي، الذي يُعرف باسم الملّا عبد الغني برادار، واحداً من الأشخاص الأربعة الذين أسّسوا حركة «طالبان». ولد في عام 1968 في مدينة دهراود في محافظة أرزغان. وفضلاً عن محاربته القوات السوفياتية، فقد كان مقرّباً إلى الملّا عمر في قندهار. وإبان تولّي «طالبان» السلطة، كان مساعداً للملّا عمر ومساعد وزير الدفاع، والرجل الثاني في الحركة، كما له علاقات وروابط أسرية معمّقة معه. بعد سقوط «طالبان»، لجأ الملّا برادار إلى باكستان، حيث أقام في كراتشي. وبعد عام 2003، أصبح المسؤول المالي والعسكري في "طالبان"، فيما أدّت تهم مِن مِثل إقامته علاقات سرّية مع نظام الحكم الأفغاني، والرئيس السابق حامد كرزاي (من القبيلة ذاتها، بوبلزي ودراني)، إلى إلقاء إسلام آباد القبض عليه، في عام 2010. إلا أنه تحت الضغط الأميركي، على الأرجح، أقدمت باكستان بقيادة حزب «تحريك إنصاف»، على إخلاء سبيله، في تشرين الأول 2018. بعدها، توجّه الملّا برادار، في شباط 2019، إلى الدوحة، حيث أصبح رئيساً للمكتب السياسي للحركة. وأدّى ذلك إلى توسيع نطاق المحادثات السرّية مع الولايات المتحدة، بقيادة خليل زاده، والتوصّل إلى «اتفاق الدوحة». ومع تصاعد دور برادار، حاز فعلياً على أبرز وأشهر موقع دبلوماسي وسياسي في الحركة، كما تولّى إجراء مشاورات مع البلدان واللاعبين الآخرين، بمن فيهم روسيا والصين وإيران، وأيضاً الحوار بين الأطراف الأفغانية.
تجربة برادار وتعاونه مع جيلَين من قيادات «طالبان»، إلى جانب تجربة السجن في باكستان، جعلته يصبح أحد الوجوه الأكثر اعتدالاً في الحركة، في مقابل أطياف متطرّفة، بما فيها «شبكة حقاني». كذلك، أدّت الروابط الأُسرية مع عائلة الملّا عمر، والاحترام الكبير الذي تكنّه له المجموعة، إلى أن يساهم برادار في بدء مسار التغيير التكتيكي - الاستراتيجي، والبطيء لـ«طالبان»، وهو ما تَمثّل في التركيز على الحوار والبراغماتية والدبلوماسية، وأولوية المصالح الوطنية، والمزيد من الاهتمام بالأسس الداخلية والخارجية، وخفض منسوب التطرّف الديني والعرقي «البشتوني». وفي الحقيقة، فإن الحضور الحالي لبرادار على رأس الجناح الأكثر اعتدالاً للحركة، والاهتمام بتوسيع السلطة واستقطاب العناصر من غير البشتون، يجعلانه قادراً على الاضطلاع بدور بارز في بناء حكومة ائتلافية (على الأرجح مزيج من الثيوقراطية والأريستقراطية والديمقراطية)، والتشاور مع الأحزاب والتيّارات القوية: الطاجيكية والهزارة والأوزبك لإدارة البلاد التي يسكنها 40 مليون نسمة. وبناءً عليه، قد يلعب برادار الدور الذي يمكن أن يساهم في حماية البلاد من الانزلاق نحو حرب أهلية جديدة، ويعمل على اكتساب الشرعية الخارجية لحركة «طالبان».
* خبیر وباحث في الشؤون
الأفغانية في طهران