تجتهد حركة «طالبان» لبثّ الطمأنينة من حولها، وإعطاء الانطباع بأنها تغيّرت وباتت مستعدة للتكيُّف مع واقع مختلف. لكن التطمينات هذه لا تزال تحتاج بعضَ الوقت للتثبُّت من صحّتها وواقعيتها، لا سيما في ظلّ حُكمٍ جُرّب في زمن مضى. ولكنها، مع هذا، تمضي في اتخاذ خطوات لتعزيز الثقة، ومن بينها قرارها، أمس، إطلاق سراح جميع المعتقلين السياسيين في مختلف الولايات الأفغانية، في موازاة إطلاقها محادثات مع سياسيين ومسؤولين سابقين، تهدف إلى تشكيل نظام يقود أفغانستان في الفترة المقبلة.
بدأت الحركة مشاوراتها لتحديد شكل النظام في أفغانستان (أ ف ب )

وفي الإطار ذاته، بدأ رئيس المكتب السياسي لـ«طالبان»، الملّا عبد الغني برادر، عقد اجتماعات مع زعماء القبائل وعلماء الدين في قندهار (جنوب) التي وصلها أوّل من أمس قادماً من الدوحة، فيما نقلت وكالة «رويترز» عن مسؤول في «طالبان»، قوله، إن المسؤول في الحركة والقيادي البارز في «شبكة حقاني»، أنس حقاني، التقى الرئيس السابق حميد كرزاي، بحضور رئيس «لجنة المصالحة» عبد الله عبد الله، وأجرى معهما محادثات في سياق المساعي إلى تشكيل حكومة. وبحسب المسؤول نفسه، يعتزم قادة الحركة المشاركة في حوار مع مسؤولي الحكومة السابقين لـ«ضمان شعورهم بالأمان».
وترافقت هذه التحرُّكات مع الظهور العلني الأوّل للناطق باسم «طالبان»، ذبيح الله مجاهد، أمام وسائل الإعلام، للتعهّد بعدم السماح باستخدام الأراضي الأفغانية ضدّ الآخرين، وبمنح المرأة حقوقها الكاملة وفقاً للشريعة والقانون، وبالسماح لوسائل الإعلام بممارسة عملها بحرّية واستقلال. ولفت مجاهد إلى أن أفغانستان كانت ولا تزال دولة إسلامية «سواء قبل 20 عاماً أو الآن، لكن هناك اختلاف هائل بين ما نحن عليه الآن، وما كنّا عليه قبل 20 عاماً». ودعا ناطق الحركة السياسيين المعارضين إلى عدم مغادرة البلاد، مشدّداً على أنه لا مبرّر لسفرهم، كون أفغانستان تسع الجميع، قائلاً: «اعتباراً من اليوم، نعلن انتهاء عدائنا مع كل مَن وقف ضدّنا في أفغانستان... أصدرنا عفواً عن كل من وقف ضدّنا، ولا نريد استمرار الحرب، بل نسعى إلى إزالة كل أسبابها». في هذا السياق، شدّد مجاهد على أن «طالبان» لا تريد تصفية الحسابات مع أيّ أحد، معلناً «العفو عن آلاف الجنود الذين حاربونا لـ20 عاماً»، وعن المترجمين أو المتعاقدين الذين عملوا لمصلحة السلطات الأجنبية. وفي تطوّر ميداني يناقض الانفتاح الذي تروج له «طالبان»، أفادت مصادر أمنية أفغانية بمقتل ثلاثة وجرح 10 آخرين إثر إطلاق مسلّحي الحركة النار على تظاهرة في مدينة جلال آباد. وذكرت وسائل إعلام محلية أن مئات من المحتجين تظاهروا، أمس، في المدينة الواقعة شرق البلاد، «دعماً للعلم الوطني للبلاد ورفضاً لتغيير الهوية».
أعلنت «طالبان» أن هناك اختلافاً هائلاً بين «ما نحن عليه الآن، وما كنّا عليه قبل 20 عاماً»


وفي ظلّ التطورات المتسارعة على الساحة الأفغانية، بيّن استطلاع للرأي أجرته «رويترز/ إبسوس»، تراجع التأييد الشعبي للرئيس الأميركي جو بايدن، ووصوله إلى أدنى مستوى له منذ توليه منصبه، في حين أعرب العديد من أعضاء الكونغرس عن خيبة أملهم إزاء التطورات في أفغانستان؛ إذ اعتبر رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ، السناتور الديموقراطي بوب مينينديز، أن أحداث الأيام الأخيرة شكّلت ذروة لسلسلة الأخطاء التي ارتكبتها الإدارات الجمهورية والديموقراطية خلال الأعوام الـ20 الماضية، مضيفاً: «نرى الآن النتيجة الرهيبة لسنوات من الإخفاقات في المناهج السياسية وإخفاقات الاستخبارات». وأكد مينينديز أن لجنته ستجري جلسة استماع حول السياسات الأميركية في أفغانستان، بما في ذلك مفاوضات إدارة ترامب مع «طالبان»، وتنفيذ إدارة بايدن لخطة الانسحاب.