«المعجون» أحد أشهر أنواع العصائر الشعبية في إيران. شراب معروف بلذّته وفوائده، يضم أصنافاً متعددة بكميات محددة. مكوّنات عديدة، منسجمٌ بعضها مع بعض، بطريقة يصعب فهمها إلا على من جمعها وتمعّن في تفاصيلها الدقيقة. يجمع «المعجون» في إيران، البوظة ودبس التمر والأناناس وقرفة والسمسم وبودرة القهوة، مع نحو عشرة مكوّنات أخرى؛ هو خلطة إيرانية بامتياز، تتشابه والمشهد السياسي في طهران؛ تضمّ مكوّنات في ظاهرها بعيدة كلّ البعد في ما بينها، لكنها في الحقيقة منسجمة بسلاسة إلى درجة التماهي.الخليط السياسي الجامع بين النظامين الجمهوري والإسلامي، ولَّد تجاذباً سياسياً قوياً بين التيارات والقوى الإيرانية، منذ انتصار الثورة إلى يومنا هذا.
ولأنّ الحديث اليوم عن انتخابات الرئاسة الإيرانية التي يتجلى فيه مشهد الصراع السياسي الحادّ بين التيارات، يمكن القول إن الجميع يتفق على هدف واحد: إضفاء الشرعية على مؤسسات الدولة ــ الثورة، وتعزيز الثقة فيها، أمام الاستهداف الخارجي الذي لا ينتهي، للتشكيك في النظام ككلّ.
وعليه، توحّد الجميع، إصلاحيين ومحافظين باختلاف تياراتهم، على دعوة الإيرانيين للمشاركة الفاعلة يوم غد في انتخابات مختلفة هذه المرة شكلاً ومضموناً.
وإذا ما كانت الصورة العامة منذ إعلان أسماء المتنافسين على مقعد رئاسة الجمهورية، تشي بأن النتيجة نوعاً ما محسومة، نظراً إلى خارطة المرشحين واستطلاعات الرأي، فإن الخبراء بخبايا إيران، يؤكدون أن انتخابات إيران عادةً ما تحمل مفاجآت.
ومع إعلان مجلس صيانة الدستور الأسماء المرشحة، حصل أخذ ورد كبيران، وحملات إعلامية جرى فيها التشكيك بقرارات المجلس، ومن بعدها الدعوة إلى مقاطعة الانتخابات من عدة تيارات.
أشار مؤشر الاستطلاعات وقتها إلى انخفاض نسبة المشاركة المتوقّعة إلى نحو 35%. انخفاض تأثر بعدة عوامل أولها انتشار «كورونا»، ثم الاستياء من الوضع الاقتصادي، وأخيراً قرارات مجلس صيانة الدستور. ومع انتهاء المناظرة الثالثة بين المرشحين ارتفع المؤشر إلى 40%، ما يُعد أسوأ نسبة في تاريخ الانتخابات الرئاسية الإيرانية.
لكن مع اقتراب يوم الحسم، تغيرت بعض المواقف والآراء تجاه المشاركة، كما انسحب بعض المرشحين لمصلحة آخرين. وبقي 4 من أصل 7 أشخاص. من المحافظين رئيس السلطة القضائية إبراهيم رئيسي، والقائد الأسبق للحرس الثوري محسن رضائي، وقاضي زادة هاشمي. ومن الإصلاحيين حاكم البنك المركزي الأسبق عبد الناصر همتي، الذي لم تسمه «جبهة الإصلاح» بشكل رسمي.
ولأن التحدي الأكبر للجميع، نظاماً وتيارات وناخبين، هو رفع نسبة المشاركة، حثّت كل التيارات (ما عدا محمود أحمدي نجاد) على الاقتراع.
«لا نريد أحداً أن يلوم نفسه لعدم مشاركته بعد الانتخابات، لأن من يريد ذلك هم أعداء إيران»، صرَّح الرئيس حسن روحاني. سبقه المرشد الأعلى السيد علي الخامنئي الذي قال إن نسبة المشاركة ستكون محدداً مهماً لمصير البلاد أولاً، وستمنع «مخططات الأعداء»، كما ستحفظ للإيرانيين «أوضاعاً داخلية مستقرة» بالإشارة إلى الاقتصاد.
ومثله فعل الرئيس السابق محمد خاتمي ومهدي كروبي اللذان دعوَا إلى المشاركة، بعدما كان التوجه الإصلاحي بالأعم الأغلب، متجهاً نحو المقاطعة. لكنهم لا يريدون أن يصبحوا، فوق ما يعانونه من مشاكل داخلية، على هامش المشهد السياسي العام، حسب ما وصفت صحيفة «جهان صنعت» الإصلاحية. ولأنهم لا يريدون رغم كل الاختلافات، أرقاماً تضعف شكل وهيئة النظام.
وبالطبع سيستفيد الإصلاحيون من إبقاء المحافظين على ثلاثة أسماء، ما سيشتت، بطبيعة الحال، جزءاً من أصواتهم. وإذا لم يحصد رئيسي أغلبية تزيد عن الـ 50% +1، ستنتقل المنافسة إلى دورة ثانية تنحصر بين همتي ورئيسي وحدهما.
نحو 59 مليون شخص مؤهّلون للتصويت. بالطبع لن يشاركوا جميعاً، لكن بعد التصاريح الأخيرة، ارتفعت أرقام استطلاعات الرأي تدريجياً، ووصلت إلى 50%.
التوقعات تشير إلى أنها سترتفع غداً أكثر ولو بنسبة قليلة، لأن العائلات الإيرانية ستحسم الليلة قرار مشاركتها، ساعة تجتمع على طاولة «العشاء الأخير» قبل يوم الانتخابات. هناك ستقرر التصويت من عدمه، وإذا ما قررت الاقتراع، فلمن ستذهب أصواتها.