عشرة نواب جمهوريّين حسموا أمرهم، أول من أمس، وصوّتوا لمصلحة إجراءات عزل الرئيس دونالد ترامب، بتهمة التحريض على العنف. القرار الذي اتخذه هؤلاء، إلى جانب الديموقراطيين، سيضع على كاهل زملائهم الجمهوريين في مجلس الشيوخ، جهداً مضاعفاً، نظراً إلى أن حكمهم لن يحدّد مصير ترامب ومستقبله فقط، ولكن أيضاً المسار الذي سيذهب في اتجاهه حزبهم.المؤكّد أنّه بعد أعمال الشغب التي شهدها مبنى «الكابيتول» من قبل أنصار ترامب، بات الحزب الجمهوري يواجه انشقاقات من قِبَل معسكرَين من الناخبين لا يمكنه تحمّل خسارتهم: أولئك الذين يقولون إن ترامب وحلفاءه ذهبوا بعيداً في الهجوم على انتخاب الديموقراطي جو بايدن؛ وأولئك الذين ما زالوا يرون أنهم لم يذهبوا بعيداً بما فيه الكفاية.
الآراء المتعارضة تستحوذ على الدائرة التي يجد القادة الجمهوريون أنفسهم داخلها. والآن، مع استعداد بايدن لتولّي منصبه في 20 كانون الثاني/ يناير، بات مستقبل الحزب الجمهوري مزعزَعاً، بسبب عدم اليقين، والانقسام الذي لم يشهده منذ فضيحة «ووترغيت» التي أدّت إلى خروج الرئيس ريتشارد نيكسون من البيت الأبيض، قبل نصف قرن تقريباً. وبحسب مسؤولي الحزب واستراتيجيّيه، فإن الاختيار الذي يواجه قادته وهم يفكّرون في جهود عزلٍ جديدة ــــ سواء عبر الاستمرار في دعم ترامب أو عبر جعله منبوذاً ــــ سيكلّفهم بالتأكيد الناخبين الذين يحتاجون إليهم للفوز في الانتخابات المستقبلية. فعلى الرغم من أن الجمهوريين فقدوا السيطرة على البيت الأبيض ومجلسَي الكونغرس، على مدى السنوات الأربع المقبلة، إلّا أن قاعدة ترامب لا تزال قوّة انتخابية قوية في الحزب، وهي ساعدته على جذب ناخبين ــــ حوالى 74 مليوناً ــــ أكثر من أيّ جمهوري في التاريخ.
الحسابات السياسية معقّدة بالنسبة إلى المشرّعين الجمهوريّين. هم يدركون أن نسبة كبيرة من الناخبين لا تزال متمسّكة بادّعاءات ترامب في شأن التزوير الجماعي في الانتخابات، وهي تواصل دعمه، حتّى بعد حصار «الكابيتول». بل إن الغالبية العظمى من مؤيّديه، بمن فيهم الـ 70٪ من الجمهوريين، لا تزال موالية له، وفقاً لاستطلاع جديد أجرته «رويترز» بالتعاون مع مركز «إيبسوس»، بعد أيام على أعمال الشغب. أكثر من ذلك، أعلن العديد من النشطاء أنهم على استعداد للتخلّي عن الحزب الجمهوري، بسبب أيّ تصرّف ضدّ قائدهم.
مع ذلك، فإن قدرة ترامب على جذب الدعم لا تتفوّق عليها إلّا قدرته على إبعاده: فاز بايدن بعدد من الناخبين أكثر من أيّ مرشح رئاسي في التاريخ، وحصل على أكثر من 81 مليون صوت، بمن فيهم الجزء الأكبر ممّن يصفون أنفسهم بالمستقلّين، وعدد صغير، ولكن مهمّ، من أصوات الجمهوريين الساخطين، وفقاً لاستطلاعات الرأي التي أجراها مركز «إيديسون للأبحاث». وحتّى الآن، يصرّ العديد من هؤلاء الناخبين، على أنّهم لن يدعموا أبداً حزباً لا يزال مرتبطاً بترامب.
بات مستقبل الحزب الجمهوري مزعزعاً بسبب عدم اليقين والانقسام


إذاً، تدور المعضلة حول نقطة مركزية واحدة، فبحسب ما يقول الخبير الاستراتيجي الجمهوري، مات ماكوفياك لوك، لوكالة «رويترز»: «لا يمكننا الفوز بدون قاعدة ترامب. إلّا أن السؤال هو: هل يمكننا التمسّك بقاعدة ترامب من دون ترامب؟». يُمثّل فقدان الدعم ــــ من الجمهوريين الذين يحبّون ترامب وممّن يكرهونه ــــ أزمة لحزب يكافح، أساساً، من أجل تشكيل ائتلاف وطني قابل للفوز. والآن، يبدو أن الدعم بين الجمهوريين آخذ في التآكل، وقد تسارع في هذا الاتجاه منذ أعمال الشغب التي وقعت الأسبوع الماضي في مبنى «الكابيتول»، ووسط جهود عزل جديدة تتّهم ترامب بالتحريض على العنف.
ولكن الدعم المستمرّ من قِبَل قاعدة ترامب لم يردع عدداً متزايداً من قادة الحزب الجمهوري عن السعي لإطاحة الرئيس، إمّا عن طريق المساءلة، أو بموجب أحكام التعديل الخامس والعشرين. يعمل هؤلاء انطلاقاً من نظرية مفادها أن من يريد الانفصال عن ترامب ورسم مسار جديد للحزب الجمهوري، عليه أن يدرك أن الوقت والفرصة قد حانا. «ردّ الفعل العام على هجوم الكابيتول شبه سلبي في كلّ العالم، لذا، فإن إظهار إدانتك لتلك الأحداث وحدها، من المحتمل أن يخفّف من ردّ الفعل السياسي ويمنح الأعضاء بعض الحماية»، بحسب روري كوبر، وهو مستشار ومساعد سابق لقيادة الحزب الجمهوري في مجلس النواب. يقول هذا الأخير لشبكة «إي بي سي نيوز» إن «المخاطر الانتخابية منخفضة اليوم، وتنمو بشكل كبير».
نظرية كوبر وغيره تنكسر عند أوّل ردّ فعل على تصويت النواب الجمهوريين لمصلحة قرار عزل ترامب. هؤلاء يواجهون انتقادات واعتراضات شديدة من قِبَل هيئات الحزب في ولاياتهم. ومن هؤلاء، جون كاتكو الذي بات من غير المعروف إن كان سيحافظ على دعم المنظّمات الجمهورية في ولاية نيويورك. أمّا النائبة ليز تشيني، الرقم ثلاثة في قيادة الحزب الجمهوري في مجلس النواب، ورئيسة مؤتمر الحزب، فقد تعرّضت للشجب الحزبي في ولايتها وايومنغ، فيما وزّع أعضاء «كتلة الحرية» في مجلس النواب التماساً لفرض التصويت على قرار يدعوها إلى الاستقالة من منصبها، بتهمة «إفساد سمعة المؤتمر وإثارة الشقاق».
في المحصّلة، سيسعى الجمهوريون إلى الابتعاد عن أعمال الشغب، لكن من المرجّح أن يبقى الاستقطاب الشديد، والقومية البيضاء، والسياسات المناهضة للديموقراطية ــــ التي يميل الجميع إلى ربطها بترامب ــــ، سمة مميّزة وطاغية على نسبة كبيرة من الجمهوريين في المستقبل. ذلك أن تلك الظواهر إنما سبقت رئاسة ترامب، ولم يأتِ هذا الأخير إلّا ليكون معبّراً عنها.