تحت شعار "الحكم من أجل الجميع"، تولّى الرئيس المٌنتخب، لويس آرسي، أمس، مهامه رسمياً، ليصبح الرئيس الـ67 لبوليفيا، منهياً بذلك حكم الانقلابيين في البلاد. وبحضور كلٍّ من الملك الإسباني فيليب السادس، ورؤساء الباراغواي، والمكسيك، والأرجنتين، وكولومبيا، إضافة إلى وزراء خارجية كلٍّ من فنزويلا وإيران، أدى آرسي اليمين الرئاسية أمام رئيس المجلس التشريعي، ديفيد تشوكيهوانكا، في حفلٍ أُقيم في العاصمة البوليفية لاباز، بحضور شعبي كبير، ووسط احتفالات في مناطق عديدة من البلاد. فور تنصيبه، تعهّد آرسي بإعادة تصحيح سياسات البلاد التي كانت قد حُيّدت عن مسارها في عهد الانقلابيين، ولا سيما الاقتصادية منها، بالقول: "سنعمل معاً لاستعادة مستويات النمو التي دَمّرتها حكومة الأمر الواقع". كما وقف الرئيس الجديد وضيوفه دقيقة صمت عن أرواح الضحايا الذين قضوا على يد الجيش البوليفي والشرطة والانقلابيين العام الماضي، خلال الاحتجاجات على الانقلاب على موراليس.
تحت شعار "الحكم من أجل الجميع"، تولّى الرئيس المٌنتخب، لويس آرسي، أمس، مهامه رسمياً (أ ف ب )

ورغم أن عملية انتقال السلطة تمّت بشكل سلمي، ومن دون مشاكل تُذكر، إلا أنه لا يبدو أن اليمين المعارض في البلاد، الذي كان قد دعا أنصاره إلى تجمّعات منذ إعلان فوز آرسي في الانتخابات في 18 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، سيستسلم بسهولة. وقد تمظهر ذلك من خلال تعرّض آرسي قبل ثلاثة أيام لـ"هجوم بالديناميت" خلال اجتماع في مقرّ حزب "الحركة نحو الاشتراكية" الذي ينتمي إليه، في لاباز، وفق ما أعلن المتحدث باسم الحزب، سيباستيان ميشيل. هذه الحادثة، إضافة إلى التجييش الشعبي الذي برز من خلال تظاهرات أنصار المعارضة التي اتخذت طابعاً عنفياً، احتجاجاً على تزوير مزعوم في الانتخابات، على مدى الأيام السابقة، تُحتّم على الرئيس الجديد اليقظة، وتضعه تحت اختبار محاولة معالجة الانقسامات الناجمة عن الأزمة السياسية في البلاد، وترويض المعارضة، ومنع حدوث انقلاب جديد ضدّ العملية الديموقراطية في البلاد. هذا فضلاً عن تحدّي مواجهة فيروس كورونا الذي سجّل عدّاده حتى اليوم أكثر من 142 ألف حالة، ومعالجة الوضع الاقتصادي الذي تهاوى بفعل الجائحة.
إزاء ذلك، تَعهّد آرسي، في مقابلة مع صحيفة "ذي غارديان" البريطانية نُشرت قبل يومين، بـ"تشكيل حكومة وحدة وطنية، وإعادة بوليفيا إلى وجهها الاشتراكي"، وقال: "لقد استعادت بوليفيا الديموقراطية، ورسالتنا هي أننا لن نتسامح مع أيّ نظام ديكتاتوري بحكم الأمر الواقع أو انقلاب في أميركا اللاتينية". كما تعهّد بـ"السعي لتحقيق العدالة لضحايا إطلاق النار على المدنيين، في اضطرابات العام الماضي"، واعداً باستعادة العلاقات مع كوبا وفنزويلا وإيران، التي كانت قد قطعتها رئيسة بوليفيا المؤقتة المحافظة جانين أنيز. في الوقت نفسه، أشار آرسي إلى أنه سيكون "براغماتياً" في العلاقات مع القادة من مختلف الأطياف، مثل رئيس البرازيل اليميني المتطرف، جايير بولسونارو، قائلاً: "نريد القيام بأعمال تجارية جيدة مع جيراننا".
يصل موراليس صباح اليوم إلى مدينة لا كوياكا


أما في الشق الاقتصادي، فلا تخفى على الرئيس الجديد صعوبة الموقف في بلاده، وهو الذي شغل منصب وزير الاقتصاد في عهد موراليس، واعتمد سياسات دفعت بوليفيا إلى النمو اقتصادياً بواحد من أسرع المعدّلات في أميركا اللاتينية حينها. وفي هذا الإطار، لفت آرسي إلى أن التوقعات الاقتصادية "قاتمة"، مبيّناً أن "الناتج المحلّي الإجمالي انخفض بنسبة 11٪ هذا العام، وبلغ معدل البطالة 30٪ في قطاعات مثل البناء". ومن هنا، اعتبر الرئيس، الحاصل على درجة الماجيستر من جامعة "ووريك" البريطانية، أن "أول شيء يجب أن نفعله هو إخراج بوليفيا من هذه الأزمة الاقتصادية. الغالبية العظمى من بلدان أميركا اللاتينية تعاني من هذا في الوقت الحالي، ولكن بوليفيا بشكل خاص... لذلك يجب علينا إعادة بناء الاقتصاد".
في هذا الوقت، يصل الرئيس البوليفي السابق، إيفو موراليس، الذي لجأ إلى الأرجنتين بعد استقالته العام الماضي، إلى بلاده، في خطوة لا تُقرأ حصراً على أنها "إعادة اعتبار" لموراليس، الذي عاش أصعب أيام حياته ما بعد الانقلاب، إذ طُورِدَ في بلاده عبر إصدار مذكّرة توقيف غير قانونية لملاحقته، وهُدِّد بالقتل، لينتقل بعدها للعيش في منفاه في المكسيك، ومن ثمّ إلى الأرجنتين، حيث مُنح حقّ اللجوء السياسي... بل هي خطوة تؤدي إلى طيّ نهائي لصفحة الانقلاب. ووفقاً لفريقه الصحافي، سيصل إيفو موراليس صباح اليوم إلى مدينة لا كوياكا، حيث من المتوقع أن يعبر الحدود إلى فيلازون، للقيام برحلة عودة برّاً إلى تشاباري. وسيرافق موراليس الرئيس الأرجنتيني ألبرتو فرنانديز، إلى خوخوي، الواقعة على الحدود مع بوليفيا، لتوديعه عند عودته إلى الأراضي البوليفية. وكان السعي إلى عودة موراليس هو أول ما فعله الرئيس المنتخب آرسي، إذ إنه بعد يوم واحد من الانتخابات أعلن أن "موراليس سيعود بالفعل إلى البلاد في الـ9 من تشرين الثاني". وبعد ثمانية أيام من الفوز الكاسح الذي حققه حزبه "الحركة نحو الاشتراكية" في الانتخابات الرئاسية، قامت المحكمة البوليفية بإلغاء مذكرة الاعتقال الصادرة بحق الرئيس السابق، وبذلك مَهّدت الطريق أمام عودته.
وعلى رغم تأكيد موراليس، عدة مرات، أنه "لا يخطط للانخراط في حكومة آرسي"، وأنه سيستقر في كوتشامبامبا "لاستئناف النشاط النقابي والانشغال في الزراعة"، إلا أن بعض الخبراء أصرّوا على أن عودة موراليس ستكون "مربكة" لآرسي، معتبرين أن التحدّي الأكبر الذي تواجهه الحكومة الجديدة هو "تعزيز شرعيتها أمام شخصية قوية وجريئة إعلامياً مثل إيفو موراليس". ومن هنا، أكد آرسي مجدداً في حديثه مع "ذي غارديان" أن موراليس لن يكون له "دور رسمي" في إدارته، مضيفاً: "هذه حكومتي.. الرفيق إيفو هو رئيس حزب الحركة نحو الاشتراكية، وهذا سيكون دوره... لكنني سأقود الحكومة".

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا