انقضى الشهر الأوّل على اندلاع جولة الاقتتال الأحدث والأعنف بين أرمينيا وآذربيجان حول جيب ناغورنو قره باغ، من دون أن يتمكّن أيٌّ من الطرفَين المتحاربَين من حسم المعركة لمصلحته، نظراً إلى المصالح الدولية المتشابكة في جنوب القوقاز، ووقوف روسيا، اللاعب الأبرز في هذه المنطقة، على مسافة واحدة من الجمهوريّتين السوفياتيّتين السابقتين، نجنّباً لأيّ احتكاك مع تركيا، راعية آذربيجان، يمكن أن يزعزع العلاقات بينهما. ومع دخول الحرب شهرها الثاني، سُجِّل حضور أميركي متأخّر في جهود حلّ الأزمة، ليُعلَن، قبل يومين، عن هدنةٍ ثالثة، برعاية واشنطن، ما لبثت أن دخلت حيّز التنفيذ حتى تبادلت يريفان وباكو الاتهامات بخرقها، لتنضمّ إلى هدنتَين أخريين برعاية موسكو، عمد طرفا الأزمة إلى إسقاطهما. في هذا الوقت، تزداد المؤشرات إلى إنشاء إطار بديل للحلّ، بمشاركة روسيا وتركيا وإيران، على غرار مسار أستانا، في مسعى من هذه الدول لوقف المعارك، توازياً مع إطلاق مفاوضات بين الجارتَين، وسط فشل «مجموعة مينسك» (فرنسا وروسيا والولايات المتحدة) في إحداث أيّ خرق يذكر. في هذا الإطار، أعلنت وزارة الخارجية الروسية أن الوزير سيرغي لافروف بحث في اتصال هاتفي مع نظيره التركي مولود جاويش أوغلو الوضع في الإقليم، مشيرةً إلى أنهما ناقشا مساعي الوقف الفوري لإطلاق النار، فيما أكّد الكرملين أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عبّر في اتصال هاتفي مع نظيره التركي رجب طيب إردوغان عن قلقه مِن تزايد انخراط مقاتلين من الشرق الأوسط في صراع ناغورنو قرة باغ.وعلى رغم اعتراض أرمينيا على أيّ دور لتركيا في تسوية النزاع، لكونها طرفاً فيه، لا تمانع روسيا مشاركتها في التسوية، إذا كان ذلك على حساب انحسار النفوذ الغربي في منطقة جنوب القوقاز. وبدت لافتةً إشارة بوتين في «منتدى فالداي»، حين قال إنه لا علم لروسيا بوجود طموح لدى أنقرة لتوسيع نفوذها إلى حدود الإمبراطورية العثمانية السابقة، وأكد أن «مواقف روسيا وتركيا لا تتطابق في شأن الوضع في جنوب القوقاز، فنحن نؤيد التسوية السياسية، لكن روسيا لا تخشى الخلافات مع تركيا، وحيث لا تتطابق المواقف والمقاربات، يجب البحث عن حلّ وسط».
وبعد فشل المساعي الأميركية في جمع وزيرَي الخارجية الأرميني والآذربيجاني على طاولة واحدة، أفضت المباحثات إلى إعلان اتفاق هدنة ثالثة برعاية واشنطن، بعد هدنتَي 10 و18 تشرين الأول/ أكتوبر برعاية موسكو. والتقى ستيفن بيغون، مساعد وزير الخارجية الأميركي، مايك بومبيو، بشكل منفصل في واشنطن، الأحد الماضي، وزيرَي خارجية البلدين اللذين وافقا على ثالث وقف لإطلاق نار، لوضع حدٍّ لشهر من المعارك التي خلّفت مئات القتلى. ولكن بعد أقلّ من ساعة على موعد دخول الهدنة الإنسانية حيّز التنفيذ، تبادل الطرفان الاتهامات بانتهاك وقف إطلاق النار. وحضّ بومبيو، أمس، قادة آذربيجان وأرمينيا على الالتزام بوقف إطلاق النار الذي تمّ التفاوض عليه في واشنطن، بحسب ما أعلنت وزارة الخارجية. وفي اتّصالين منفصلين مع رئيس الوزراء الأرميني نيكول باشينيان، والرئيس الآذربيجاني إلهام علييف، حثّ بومبيو «القادة على الالتزام بتعهداتهم بوقف القتال والسعي إلى حلّ دبلوماسي للنزاع في ناغورنو قره باغ»، فيما أكّد المسؤول الأميركي للرجلين أنه «ليس هناك حلّ عسكري للنزاع». من جهته، قال الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، إن العنف في منطقة قره باغ، بعد انهيار الهدنة، «مخيّب للآمال»، لكنه عبّر عن تفاؤله بتسوية الطرفين للوضع.

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا