السيناريو الراجح هو قيام جهة بأعمال تخريبية داخل المكان
اليوم، يدرس الإيرانيون جميع الخيوط المرتبطة على مهل، لأنهم يعلمون جيّداً أن التسرع في اتخاذ أي قرار سيؤدي إلى خسارتهم عنصر المفاجأة التي يحتاجون إليه للرد على أي عمل ضدهم. بالنسبة إلى حوادث نطنز، انتشرت شائعات وتكهنات كثيرة عن احتمالية استهداف هذه المنشآت عبر قصف جوّي أو صواريخ «كروز» أو تفجير عبوة ناسفة في المكان... ما يجب إيضاحه هو أن منشآت نطنز منشآت ضخمة مساحتها بحجم مدينة كبيرة. كل الصحافيين والإعلاميين الذين قاموا بزيارة نطنز يعلمون جيّداً أن المنشآت محصّنة ومبنية بشكل محمي في جبال شاهقة، واستهدافها بقصف جوي يحتاج إلى اقتراب الطائرات من المكان المجهز بأنظمة دفاع جوي متعددة الأنواع. كنت شخصياً في المكان بعد ساعات من حصول الحادث، والتقيت العديد من الناس الذين يسكنون بالقرب من المكان، ولم ير أحد أي طائرة تقترب أو صاروخاً يعبر، و حتى لم يُسمع صوت الطائرة أو الصاروخ، بل لم يُسمع صوت الانفجار. حجم ومساحة الحريق كانا ضخمين لدرجة أن أي عملية تفجير كانت ستحتاج إلى عبوة ناسفة تزيد عن مئات الكيلوغرامات، وهذا من المستحيل إدخاله إلى هذه المنشآت. لذا فإن السيناريو الباقي والراجح هو قيام جهة بأعمال تخريبية داخل المكان، كانت تعلم بدقة كيف وأين يجب أن تقوم بهذه الأعمال، كي تحقق أكبر قدر من الضرر في هذه المنشآت. وعلى الرغم من أنه لا يمكن إدخال المتفجرات إلى المكان، فإن هناك موادّ مختلفة قابلة للاشتعال في المكان يمكن استخدامها لإحداث حريق كبير، وجميع التحليلات تشير إلى أن هذا ما حصل بالفعل.
النقطة المهمة في هذا السياق هي: من وكيف قام بهذا العمل؟ يحتاج هكذا عمل إلى معلومات دقيقة جداً عن المكان، هي موجودة فقط لدى أجهزة الاستخبارات. ونظراً إلى أن مفتشي «منظمة الطاقة الذرية الدولية» كانوا قد زاروا هذا المكان عدة مرات، يمكن الاستنتاج أنهم قاموا بتسريب هكذا معلومات حساسة لأعداء إيران، خاصة الولايات المتحدة وإسرائيل. ويحتاج الأمر إلى وجود عناصر وجواسيس مدفوعين بسخاء كي يخاطروا بالقيام بهكذا عمل، عادة ما يكونون أعضاء منظمة «مجاهدي خلق» الإرهابية، وهم حالياً يقبضون رواتبهم من المملكة العربية السعودية. وطبعاً الأخيرة لديها أسباب للانتقام من إيران، لربما أهمها استهداف منشآت «آرامكو» من قبل «أنصار الله» اليمنية.
لا يمكن أن نتجاهل أن هذه الأحداث وقعت بعد أيام قليلة من زيارة برايان هوك، منسق الشؤون الإيرانية في الخارجية الأميركية، إلى السعودية والأراضي المحتلة، وتصريحاته التي أورد فيها تهديداً لإيران بالعمل العسكري. إن وضعنا كل هذه الأمور جنب بعضها البعض، يمكننا القول إن القراءة المبدئية تشير إلى أن أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية والأميركية كانت خلف الحادث، والتمويل كان من قبل المملكة العربية السعودية. وإذا ما تأكدت هذه الاستنتاجات، فلا يمكن أن نتصور بأن إيران ستغضّ النظر، بل ستعكف على التحضر كي ترد الصاع صاعين، لكن لربما ليس كما حصل مع استهداف القواعد العسكرية الأميركية في العراق بشكل مباشر، لأن الأعداء هذه المرة لم يعلنوا أنهم خلف هذه الحوادث، في حين أن الأميركيين اعترفوا على الفور بتنفيذهم العملية الإرهابية التي أدّت إلى استشهاد الفريق سليماني ورفاقه.
من يقف خلف هذه العملية يفهم أن إيران قرأت الرسالة... ولهذا يمكن القول إنه يجب أن لا ينام ويبقى منتظراً الرد، لأنه بمجرد أن تغفو عينه سيتلقّى الرد الإيراني.